منذ ما بعد انتخابات 1989هـ تصدعت رؤوسنا من كثرة الحديث عن قانون انتخاب عصري يحقق (للمواطن) طموحاته وآماله.. وكلما جاء قانون جديد كان أكثر سوءا من سابقه.. وكأن الانتخاب لا يجري إلا في بلدنا الديمقراطي المثال والقدوة، ولا توجد أنظمة أو سوابق أو دول ديمقراطية متحضرة تسبقنا بأشواط بل بحقب زمنية في ديمقراطية تتمتع بالمرونة وتناوب السلطة مصحوبة بالشفافية والنزاهة والتمثيل الفعلي للشعب.
نعم.. ما زلنا مصدومين من فشل الحكومة بل الحكومات المتعاقبة في تقديم قانون انتخاب عصري منذ ذلك الوقت وحتى الآن رغم محاولاتها المتكررة في تقديم قانون هزيل فاسد أنتج في عدة قوالب مصحوب بحملات دعائية وتجميلية له.. هذا القانون الذي ظهر عدة مرات بأشكال مختلفة يعكس رضا أعضاء المجالس النيابية المتعاقبة ونشوة الحكومة في إيجاد مجلس قبض الثمن (رشوة تسهيلات) قبل الترشح..
القانون الحالي وما سبقه يتيح للنواب في المجلس خلال الدورات السابقة الفوز دون عناء في أي انتخابات بفضل البعد العشائري بالدرجة الأولى ودون منافسة حقيقية على برامج أو كفاءة أو أهلية أو مصداقية أو سمعة أو خبرة أو حتى لباقة، فالقانون الحالي وما سبقه مما جاء بعد 1989 تجبر الناخب على أن يمنح صوته الوحيد للمرشح ابن العشيرة، ولا تتيح لذوي الكفاءة والمؤهلات العالية أن يحصلوا على الصوت الثاني أو الثالث من الناخب.. رغم أن ذلك حق للناخب أولا، وحق للمرشح ثانيا..
الانتخابات في جميع الدول الديمقراطية (الحقيقية) تتم بشكل من ثلاثة أشكال أو طرق للانتخاب.. وهي:
أولاً – الانتخاب الفردي، بحيث يتم تقسيم الدولة إلى مناطق صغيرة بعدد مقاعد البرلمان، وكل منطقة تشكل دائرة انتخابية واحد ولها نائب واحد (منطقة واحدة – صغيرة المساحة – لها مقعد نيابي واحدة ويمتلك الناخب صوتا واحدا) يمنحه لأحد المرشحين في نفس الدائرة.
ثانياً – الانتخاب بالقائمة النسبية المغلقة (يقتصر دور الناخب على اختيار اسم أو رقم القائمة) وقد تكون على مستوى إقليم أو محافظة أو على مستوى الدولة كاملة ويفوز عدد من المرشحين تقدر نسبتهم بنسبة حصول القائمة على الأصوات من المجموع العام للأصوات والمقاعد البرلمانية، وفي بعض الدول تفوز القائمة كاملة إذا حصلت على أعلى الأصوات بعض النظر عن حصول القوائم الأخرى على نسبة من الأصوات.
ثالثا – الانتخاب بالقائمة المفتوحة، إذ يتم تشكيل القوائم حسب الصيغة التي يراها المرشحون أو الأحزاب، بينما يختار الناخب ما يشاء من الأسماء من ضمن القائمة كما يجوز له الاختيار من قوائم أخرى، وتكون الأصوات بقدر عدد المقاعد، وينجح المرشحون الأكثر حصولا على الأصوات بغض النظر القائمة نفسها، وهذه القوائم تتيح (بمرونة) للأفراد المستقلين وللأحزاب التحالف لتشكيلها في مواجهة القوائم الأخرى، وتتيح للناخب اختيار المرشح الذي يراه مناسباً.
الأشكال المذكورة أعلاه كفيلة بإنتاج مجلس نيابي يتمتع أعضاؤه بدرجة عالية من الكفاءة والأهلية والسمعة الطيبة، وتحد من نسبة المجاملة والعصبية والمتاجرة بالوطن باسم الوطن.
أعتقد أن الأفق واضح لا يحتاج إلى مزيد من الاجتهاد لخلق قانون انتخاب جديد (2013) من قبل الحكومة التي ستأتي بعد الانتخابات المقبلة إن تمت وأفرزت مجلساً نيابياً يحترم نفسه، ولسنا بحاجة إلى اجتهادات أكثر في هذا المجال من خيال أصحاب المصالح والقوى المتنفذة التي تطوف حولها شبهات فساد وقصور وعدم أهلية في قيادة وأداء العمل العام.
وفي الوقت نفسه، أتمنى ألا يسمح للنائب بالترشح أكثر من مرة أو مرتين بحد أقصى للمجلس النيابي سواء تمكن من الفوز أم لم يتمكن، لأن ذلك مدعاة للفساد وزهو للشللية، وابتعاد عن التجديد في الفكر والأداء والعطاء.. وكل ذلك سيفقد معناه في حالة التزوير..