لم تكن مجرد أحلام تحطمت، ولا آمال تلاشت، ولا طموحات تكسرت أجنحتها..
هناك قرارات كثيرة يمكنها نقل الإنسان من مرحلة إلى أخرى، تجعله يعبر الزمن ويتجاوز المكان، وبعضها الآخر، كفيل بتحجيم الإنسان وتحقيره والتضييق عليه في ما بعد..
كثيرة هي القرارات الصائبة التي نتخذها بحياتنا، لكن قرارا خاطئا واحدا قادر على تحطيم كل الإنجازات وطمس كل النجاحات، بل وحتى يمكنه هز ثقة الآخرين بك وهز ثقتك بنفسك..
عندما يتخذ الإنسان قرارا بناء على حاجته الذاتية أو نزوته أو رغبته دون النظر إلى الغد القادم أو الراحلون إليه.. فإن تلك القرارات تكون غالبا عائقا لنا في المستقبل، وتحدُ من تقدمنا وتسارعنا وتجعلنا نتوقف أو نتراجع..
لست مؤمنا بأن المدرسة قادرة على مساعدتك لتحقيق النجاح، بل هي قادرة فقط لجعلك تستكشف أشياء أوسع من حولك، وتجعلك ترى لمسافة أبعد، وتساعدك في جلب معلومات أكثر والتعرف على ظواهر وأشخاص جدد بالنسبة لك سواء ممن هم في عصرك أو عصر سبق..
إننا بحاجة ماسة لاكتساب مهارات تساعدنا على الإنجاز، وهي عادة لا تأتي إلا من خلال التدريب والتطبيق والتقليد والمحاكاة، وهذا ما عجزت عنه المدرسة والجامعة.. فكثير من الأشخاص الذين حققوا إنجازات باهرة لم تكن المدرسة منطلقهم ولا الجامعة، بل ربما لم يكونوا ممن يشار إليهم بالبنان في المجال الأكاديمي..
أفكار كثيرة تراودني حول طريق وصلت إلى منتصفها المتوقع، وما زالت الحافة تمهلني لإكمال الطريق في حال توفر الآمال والطموحات المركونة جانبا في حياتي، وربما تتخذ تلك الحافة قرارها بالظهور قبل الوصول، كان لي حلم.. تحطم.. وكانت هناك آمال.. تلاشت.. وكنت أخبئ في نفسي أفكاراً ذهبية طلاها الزمن بشيء يشبه الصدأ تعلوه الغبار.. كثيرة هي مفاتيح المستقبل التي بدأت أفقدها واحدا بعد الآخر، وكثيرة هي الأبواب التي صارت تعترضني وهي موصدة مغلقة، ولست بحامل مفتاحها ولا قادر على كسرها وعبورها..
أفكار كثيرة جديدة تصبح تراودني وتمسي تطاردني، في مجملها سلبية سوداوية قاتمة وضحلة، حلت محل غيرها من تلك التي كانت تحفزني وتدفعني وتشحذني بكثير من الطاقة.. الأفكار الجديدة كلها تستهلك من جسدي وعقلي أكثر مما تثمر فيهما، مما جعل التشاؤم يتشكل في مخيلتي على شكل سحابة سوداء قاحلة تتسع يوما بعد يوم وتتمدد إلى أفكار جديدة تتدفق من خيالي لحظة تلو أخرى، تلك السحابة صارت تقترب من أفكار جسدي ومن جسد أفكاري مغلفة زماني ومكاني..
لم أكن في يوم من الأيام أستظل بسحابة التشاؤم، لكنها جاءتني فجأة وبسطت ظلالها على أطرافي ونهاياتي، وما زالت تقترب مني أكثر وأكثر، أشياء كثيرة علي فعلها، لكن آثارها ستكون سلبية على من حولي، ولم يبق أمامي سوى أحد الخيارين، إما أن أكون الضحية أو الجاني..
قد لا تكون الصورة بهذه البساطة، لكني لم أعد أثق بالمستقبل ولا بالمستقبِل ولا بالمرسل أي نفسي..
أحاول كثيرا إعادة ترتيب أوراقي، وأضع الرقم واحد قبل الرقم اثنين وكلاهما قبل الرقم ثلاثة.. لكني أفاجأ بين الحين والآخر أنني أتعامل مع الرقم عشرة قبل البدء بالرقم واحد.. أصبح فاقدا لتوازني العقلي مع القرارات التي أتخذها، فأشياء كثيرة أفتقدها في حياتي وفي مطلعها الصديق الذي يدرك ما يدور في خاطري، ويتوقع ما يمكن أن يصدر عني أو ما يمكن أن أصل إليه، أو يعيد تلك الفراشات الشاردة من بستان أفكاري.. ليكون عونا أو سندا أو عدوا عاقلا حكيما يقوم بدور الصديق بصدق..
إن ما أعانيه اليوم ليس فقدان صديق أو عدم وجوده من أصل، وليس فقدان التوازن العقلي مع الواقع، إن ما أعانيه اليوم هو تلك الحالة التي تضغط علي بحزم وجزم لاتخاذ قرارات صارمة حادة، أفقد بسببها أشخاصا ربطتني بهم علاقات بالعمل.. أو تعارف أو تلاقي أفكار أو تناقضها، قرارات قد تمتد أثارها للإضرار بأشخاص هم كياني من هنا أو هناك، أو أشخاص هم بجوار كياني من قريب أو بعيد.. أفقد بسببها شيئا من الزمان أو المكان أو الشموس أو كلها..
إن ما أعانيه هو عدم قدرتي على البوح مما أعانيه، وعدم قدرتي على اتخاذ قرار حازم أشق به طريقا جديدة لا أدري إلى أين تتجه ولا أين نهايتها في ظل ظلم وظلام وظروف غامضة.. لدرجة أنني أصبحت أحتار بين الضحك أو البكاء، الصمت أو الصراخ، الوحدة أو الاجتماع مع نفسي أو مع الآخرين.. لكن كتلة من البارود تسكن أحشائي على شكل أفكار نشطة تجرح وتصهر وتكسر ذكرياتي وآمالي وتهددني بين الحين والآخر بالانفجار.. وتجبرني لأن أقول: نعم “بذل”، أو لا “بعصيان”.. وكلاهما قرار، هو القرار الذي أخشاه..