من أين تنشأ انشغالاتنا؟

سؤال جدير بالتفكر، ويستحق أن نبحث له عن إجابة.

منذ ولادة الإنسان، فإنه يجد لنفسه العديد من الشركاء في حياته، ابتداء من الأسرة والأقارب ودوائر أخرى كثيرة من المكونات الاجتماعية.. وشركاء لنا من مخلوقات أخرى مختلفة، إننا بشراكاتنا هذه نساهم سوية في استهلاك وإنتاج الموارد (الطبيعية والصناعية) في البيئة المحيطة بنا.

لكي يعيش الإنسان حياة متوازنة، لا بد له أن يتناوب ما بين الأخذ والعطاء مع الآخر. فعندما تريد الحصول على شيء، عليك أن تبذل جهد وعملا للحصول عليه، إذن فقد جعلك مشغولا. وعندما تريد إعطاء شيء فإنك ستؤديه من خلال جهد ومهمة عمل، فكذلك ستصبح مشغولا به. وسواء كنت في موقف الأخذ أو العطاء، فإن الوقت سيكون أحد مكونات هذا الموقف، أي عليك أن تخصص وقتا لإنجاز هذه المهمة أو تلك، وهذه المهمة هي التي ستجعلنا مشغولين في هذا الوقت.

إن عمليات الأخذ والعطاء ليست بعمليات ذاتية، إنما هي عمليات تفاعلية مع شركاء آخرين، ولا يخرج أي نشاط لنا عن إحدى هاتين العمليتين (الأخذ والعطاء)

لكن، لماذا نأخذ ؟ ولماذا نعطي؟

لا شك أن أية عملية عطاء منك تقابلها عملية أخذ ينفذها طرف آخر تماما مثل عمليات البيع والشراء، فكل عملية بيع بالنسبة لك هي نفسها عملية شراء بالنسبة للآخر، وأن أي عملية أخذ نقوم بها يقابلها عملية بذل أو عطاء من الآخر وليس بالضرورة أن يكون هذا الآخر معروفا لدينا. فنحن نأخذ لأننا نريد إشباع حاجاتنا ورغباتنا، وعلى النقيض، فإننا عندما نعطي إنما نساعد في إشباع حاجات ورغبات الآخرين.

انظر.. لقد اقتربنا من الإجابة!

إننا عندما نعطي، فإننا نؤدي دورا منوطا بنا، وعندما نأخذ، فإننا نؤدي دورا آخر منوطا بنا أيضا.. وهنا، فإننا نجد أنفسنا أمام كم هائل من الأدوار الرئيسية والفرعية التي نقوم بها سواء بالأخذ أو العطاء، وهذه الأدوار هي التي تتولد منها مهامنا وأشغالنا، وهذه المهام هي جوهر العلاقات بيننا سواء كانت مع ذات النفس أو علاقات دينية أو اجتماعية أو علاقات عمل أو علاقات بيئية أو كونية.

وفي ما يلي بعض الأدوار التي نقوم بها، ونؤديها على شكل مهام وأشغال، وفي جميع هذه الأدوار فإننا نمارس عملية الأخذ أو العطاء..

أولاً – الدور الإيماني: (نعمل من أجل رضا الله تعالى والفوز بالجنة)

وهو مجموع الأفعال التي نؤديها لتحقيق علاقة حسنة مع الله سبحانه وتعالى والتي أسماها القرآن الكريم “بالأعمال الصالحة” ولا تستقيم هذه العلاقة إلا في ظل أداء هذا الدور وهذه الأعمال، فهنا قمنا بأداء العبادات المفروضة علينا مقابل أن نحصل على رضا رب العالمين والفوز بالجنة، فعطاؤنا كان العبادة، ويكرمنا الله تعالى برضاه ويحقق لنا الفوز بالجنة وهذا هو أخذُنا.

ثانياً – الدور الذاتي: (نبذل جهدا من أجل الصحة الجسدية والنفسية)

وهو مجموعة الأعمال التي علينا القيام بها من أجل المحافظة على ذاتنا النفسية والجسدية والتي عبّر عنها ماسلو بهرم الحاجات ابتداء من الحاجة للبقاء وحاجات الجسد والرغبات الأخرى، وهنا فإننا ننشط أعضاءنا الجسدية بالأعمال أو الرياضة المناسبة لذلك، ونفعل ما يدخل السعادة على قلوبنا، ونتناول المأكولات الصحية ونراجع الطبيب وغير ذلك من مهام نبذلها مقابل أن نتمكن من الحصول على صحة جسدية ونفسيه سليمة..

ثالثاً – الدور الأسري: (نبذل من أجل تمتين الروابط الأسرية)

وهو سلسلة الأدوار التي نقوم به داخل أسرتنا (كآباء أو إخوة أو أبناء أو أقارب) وكل دور نقوم به ضمن إطار الأسرة يتطلب عددا من المهام للمحافظة على كيان الأسرة وتماسكها، ويستحوذ هذا الدور أكبر قدر من النفقات في المستوى الاجتماعي المتوسط والمنخفض.

رابعاً – الدور الاجتماعي: (نبذل أجل المكانة الاجتماعية)

وهو مجموعة الأنشطة والأعمال التي نؤديها من أجل بناء علاقات متوازنة مع البيئة الاجتماعية المحيطة بناوالتي تبدأ بالأقارب والأصدقاء والجيران وتنتهي بالغرباء.

خامساً – الدور الوظيفي: (نبذل جهدا من أجل الأجر والربح)

وهو سلسلة الأدوار التي يتطلبها العمل منا والتي تكون على شكل مهام وواجبات علينا أداؤها سواء كنا رؤساء أو مرؤوسين أو زملاء، أو كنا عملاء أو موردين أو مشرفين خارجيين، ويستهلك هذا الدور وقتا طويلا ما بين العمل نفسه والتنقلات التابعة لها بالنسبة للعاملين.

سادساً – الدور البيئي: (نبذل من أجل الاستمتاع بالبيئة)

ويتكون هذا الدور من مجموعة مهام تجعل البيئة المحيطة بنا من ماء وهواء وتربة صالحة للاستخدامومحفزة للحياة ابتداء من العناية ببيئة المنزل والحديقة لحمايتها من الملوثات.

سابعاً – الدور التطوعي: (جهود من أجل عمل الخير)

ويتضمن هذا الدور مجموعة الجهود التي يبذلها الإنسان للمجتمع أو البيئة دون أجر، سواء كانت جهودا فردية أو من خلال جمعيات خيرية أو تطوعية.

بعض علماء الإدارة وتطوير الذات اهتموا بهذه الأدوار بجوانب مختلفة وعرضوها متنوعة، وقدموا توصياتهم لكل إنسان بضرورة وضع خطة لإدارة هذه الأدوار، ووضع جدول خاص بها لتنظيم أدائها بشكل متوازن وموزع ليشملها كافة موزعة على أيام الأسبوع.

إن ما تم سرده أعلاه للقارئ الكريم والقارئة الكريمة هو استعراض لأدوار رئيسية وأساسية لما هو مناط بنا. وهذه الأدوار يجب أداؤها؛ لكي نعيش حياة متوازنة دون ترجيح دور على آخر.

وفي النهاية، نعود للإجابة على سؤال العنوان، لنقول بأن الأشغال التي نؤديها إنما تتولد من أدوارنا في الحياة سواء أسندت إلينا من الآخر أو التي تعهدنا بالقيام تجاهه.

الإعلان

انشر تعليقك

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s