عندما نتأمل في عشرات بل مئات القتلى العرب والمسلمين يوميا، نجد أنهم يتركزون في العراق وسوريا واليمن..
في هذه البؤر الثلاث لا بد أن نبحث عن الضالعين الدوليين بالقتل، إنهم مجموعة من الدول تقتل هنا وهناك، والجميع يتظاهرون أنهم يقاتلون الإرهاب، بينما القتلى مدنيون وأطفال ومنازل مهدمة وبنى تحتية مدمرة..
جنسية القاتل في العراق وسوريا واليمن تتوزع بين إيران وروسيا والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية بنسب متفاوتة.. وجميع هؤلاء الأطراف يتحدثون عن تقسيم هذه الدولة كحل وحيد للأزمات..ولا يفوتنا أن التقسيم هو مشكلة المشكلات لاحقا، لكنها هي قسمة الثعلب.
ومعروف أن الدول الأوروبية سبق وهيمنت على المنطقة، ونتيجة عجزها عن إدارة المنطقة ومناطق أخرى من العالم عقب الحرب العالمية الثانية اضطرت إلى رفع الهيمنة الاستعمارية عنها بحجة الاستجابة للمطالب التحررية للشعوب ونيل الاستقلال..
واليوم أخذت الدول الأوروبية ودول أخرى كالولايات المتحدة وروسيا والصين بإعادة رص صفوفها للحصول على قطعة كبيرة من الكعكة العربية الآيلة للنضج، والتي تحتوي على ثروات اقتصادية متعددة مقابل ضعف في البنية الفكرية والمهارية والعسكرية للإنسان العربي بل وضعف فكري وإداري وسياسي لدى القيادات العربية أيضا، وكل هذا يعتبر فرصا سانحة لاستغلالها بالاستحواذ على مناجم من الثروات..
الجديد في الوضع الراهن أن الدول الغربية أخذت تستعين بإيران كشريك لها لتحقيق مصالحها، فالدول الغربية تعتزم السيطرة على الثروات الاقتصادية، في حين فإن الشهية الإيرانية منفتحة على تشييع الدول العربية ونشر المذهب الشيعي كبديل للمذهب السني، وهذه الأفكار تم تطبيقها في العراق؛ حيث ذهب النفط والثروة الاقتصادية للولايات وذهب الدين والثقافة إلى الهيمنة الإيرانية، ومازالت إيران تسير بنفس الخطى، حيث أنها تقدم للعشائر العراقية السنية التي تتشيع كل دعم ومساندة، وتكتفي أحيانا بدعم العشائر السنية مقابل محاربة العشائر الأخرى.
عندما كانت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية تستعمل إسرائيل كأداة لتحقيق مصالحها كانت الفكرة منصبة على النفط فقط، أي أن إسرائيل تشكل مطرقة وقاعدة انطلاق ضد كل من يحاول العبث بمصادر النفط.. ولم تتغير هذه النظرة حتى اليوم، فإسرائيل هي الحارس الأول لنفط الشرق الأوسط سواء من خلال المعلومات أو التقنيات أو الأصابع الخفية..
أما استعانة الغرب بإيران في الفترة الأخيرة فله أبعاد أخرى أكثر خطورة، فمن بينها إعادة تقسيم الشرق الأوسط وتفتيته، وليس إعادة ترتيب أوراقه كما يتبادر لدى البعض، وهذا الدور يبدأ بخلق بؤر فتنة واستقطاب ذوي النفوس الضعيفة من أبناء الدول العربية لبناء خلايا مساندة لإيران، وإظهار إيران بمظهر حامي الإسلام، بل والدفاع عن إيران بكل السبل حتى ضد أبناء جلدتهم.. وهذه الخلايا تبدأ بالانتشار والتوسع بفضل الدعم الإيراني المالي والتقني والأسلحة، فما أن تولد فتنة حتى نرى المفاجآت..
وأكرر بإن الذين يقتلون أبناء العراق وسوريا واليمن هم إيران والولايات المتحدة وروسيا وبعض الدول الأوروبية، وتشاركهم بعض الجيوش العربية، ويبدو للعربي المسكين أن هؤلاء أعداء وقلوبهم شتى، فإيران عدو لأمريكا، وأمريكا عدو لروسيا، وروسيا عدو للاتحاد الأوروبي، وكل واحدة من هذه الدول الإجرامية الإرهابية تقتل بشكل منظم في العراق وتقتل في اليمن وتقتل في سوريا، إذن لا بد من أن هناك قسمة خفية بينهم.. وإن هناك رباطا قويا يجمعهم.
وهنا، فإنني أدعو جميع الدول العربية المشاركة في التحالف ضد الشعب العراقي والشعب السوري تحت اسم محاربة الإرهاب بضرورة الانسحاب فورا من هذا التحالف لحماية صفوفها في المرحلة اللاحقة، فأصدقاء الظاهر في التحالف هم أعداء حقيقيون للعرب المشاركين وغير المشاركين بالتحالف، وإيران وشركاؤها يسعون إلى مزيد من التقسيم لرقعة الشطرنج العربية للسيادة عليها لإعادة تشكيلها كما يرنو لهم، والواضح أن إيران تسعى للسيطرة الدينية والثقافية على الإقليم العربي الذي بدأ بالعراق ثم سوريا ثم اليمن، بينما الغرب برمته يسعى للسيطرة على الموارد الطبيعية العربية وفي مقدمتها النفط عبر وسائل متعددة ومن بينها الشركات العابرة للقومية التي تحمل أسماء عربية أصيلة ولكنها ما زالت تحت مظلة الحكومات العربية، والفوضى ستجعلها تتحرر من هذه المظلة للتوسع واستنزاف الثروات العربية ونقلها إلى أصحاب هذه الشركات من الدول الغربية.
وفي الختام.. فإن إيران دخلت على الخط الغربي لتكون شريكا في تقسم المنطقة العربية وتفتيتها بحجة حماية الإسلام ونشر السلام كما تنشره إسرائيل..
تم نشر هذه المقالة على موقع (مداد) جمعية الكتاب الإلكترونيين الأردنيين