كانت عقارب الساعة بطئية، بطيئة للغاية، كنا نتمنى أن تدور تلك العقارب بسرعة أكبر لكي نحصل على أمنية أو أن يفي أحباؤنا بوعودهم تجاهنا، وكنا نبلغ تلك اللحظات بعد آهات الانتظار، بينما عقارب الساعة مشغولة بالحديث في ما بيها، أيها يسبق وأيها يتأنى.. ونحن أطفال.
كبرنا وتحقق الكثير من أمنياتنا، وأوفى الأحبة بكثير من وعودهم.. لكن الساعة أخلفت وعدها، أصبحت تسير بسرعة أعلى، لا ندرك عد حركاتها إلا وفاتنا شيء، أو فقدنا آخر، أو قصرنا بحق من هم أعزاء علينا..
تلك العقارب لم تعد تهتم لنا، صار همها الدوران بسرعة أكبر، تقتص كل يوم قطعة من أعمارنا، نراها تشرد منا ولا نستطيع ردها..
هي لحظات متناثرة هنا وهناك، كلها شرخت من أعمارنا، وربما لا ندري ما هي البصمة التي طبعناها عليها، أهي إيمان، أم صدق وصداقة، أم وحب وحنان وود، أم هي وفاء وعطاء..
ما فاتنا من تلك القطع لن نستطيع تغيير بصمتنا عليه، لكننا نستطيع أن نضع توقيعنا على كل قطعة من زمن أعمارنا من الآن فصاعدا، لتحمل هذه القطع التي ستنفصل عنا واحدة تلو الأخرى، لتحمل توقيعنا بتأكيد إيماننا بإخلاص وحسنى، وتأكيد صدقنا وصداقتنا، وحبنا، ووفائنا، وعطائنا.. لكل من له حق علينا، لتحمل صفحنا، وتسامحنا، وعفونا.. عن كل من لنا حق في ذمته.. لتكون تلك القطع شاهدا لنا، لا شاهدا علينا.