كلمات على جبين صديقتي

أتذكرين يا صديقتي كيف أعمل الفرنسيون والإنجليز الفكر لدخول مصر، أتذكرين تلك القصص التي حيكت، وتلك الروايات التي نسجت، وتلك الحفلات الماجنة التي صخبت..

أتذكرين ذلك الشاب الذي أغرق نفسه بالمتع والشهوات وأغرق مصر بالديون، أتذكرين ذلك الشعب الذي فقد عشرات آلاف الضحايا في حفر قناة السويس، وجاء ذلك الشاب ليبيعها للمقامرة أو الترفيه أو النزهة..

أتذكرين كيف رد المصريون عليه ردا جميلا.. وأعادوا لمصر ما فقدته، أخرجوا المستعمرين بسلسلة كلمات مربوطة بطرف السوط الذي لوح به الشعب ورئيسه، بضع كلمات صيغت على شكل قرارات، مضمونها كلمة واحدة (تأميم).. أتذكرين تلك الابتسامات التي تحلى بها المصريون، وتلك البهجة التي رفرفت على علم مصر..

لكن شيئا أحسبك لا تذكرينه.. لقد عاد الكر والفر.. بيعت مصالح مصر، ومصانعها، بيعت أرض مصر ومزارعها، استعبد الفلاح المصري وعامل الباطون والعتال والجزار والخباز والنجار والحداد والقطان والقبطان..

عادوا مختبئين وراء مصريين يدعون الوطنية، يدعون الحداثة، يدّعون الصلاح والفلاح، يملكون مرازع المانجا والتفاح، وفي قبضتهم أنفس المصريين والأرواح، صوتهم صاخب، وكلماتهم مزمجرة أينما حلو وعلى أي شاشة ظهروا..

صديقتي.. يبدو أن سايكس بيكو جديدة نظمت خيوطها، ونسجت أهدابها، أيام قاحلة آتية، وذكريات خادعة حاضرة، ومستقبل في غرفة الإنعاش يرقد، ووحوش على قوت الناس قابضة.. وحوش من جنسنا، ووطننا، وأبناء ملتنا، شخوص مزورة..

صديقتي.. إن الذي سأكتبه على جبينك الآن شيء غريب.. لا أحد يصدقه، فليس معي دليل، سأكتب: إن غير مصر.. وطني دخل تحت نير الاحتلال، احتلال جديد، بنفس الأدوات السابقة الساقطة، أدوات الإغراق بالديون على الفسق والسهر والمجون، ديون تنثر أموالها على لا شيء، سوى شراء ساعات من النزوات، ودقائق من المتع واللحظات، وإن لم تكن هناك ديون.. بيعت هاذيك الأصول والمؤسسات..

صديقتي ورقة التاريخ.. إن الأردن وقع اليوم تحت الاحتلال الفرنسي، إن صدقتني، صدقتني، وإن لم تصدقي فامسحي ما كتبته، واكتبي اقترب عيد الاستقلال، عيد البهجة، عيد الخذلان..