كيف تفهم الفرق بين القيم المؤسسية وسياسات العمل؟
مقدمة
في عالم الأعمال، تعتبر القيم المؤسسية وسياسات العمل مفاهيم أساسية لنجاح المؤسسات. ورغم التشابه الظاهري بينهما، إلا أن هناك اختلافات جوهرية. وتهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أوجه الشبه والاختلاف بين القيم المؤسسية وسياسات العمل وأثرهما معا على المنظمة، وذلك بطريقة بسيطة وسهلة.
مفهوم القيم المؤسسية
تعبر القيم المؤسسية عن المعتقدات والمبادئ الأساسية التي تؤمن بها المؤسسة، وتعمل على توجيه سلوك وأفعال موظفيها، وتعتبر هذه القيم بمثابة البوصلة الأخلاقية التي تساعد المؤسسة في اتخاذ القرارات الصائبة، وتعزز من تماسك الفريق، يمكن أن تشمل القيم المؤسسية مفاهيم مثل النزاهة، الشفافية، الابتكار، الاحترام، والعمل الجماعي، وهذه القيم تكون غير ملموسة وتتركز على الجانب الأخلاقي والثقافي والمهني، وعندما تؤمن مؤسسة بقيمة مثل ”النزاهة”، فهذا يعني أنها تلتزم بالصدق والأمانة في جميع تعاملاتها. هذه القيمة تضمن أن تكون جميع الأعمال والمعاملات داخل المؤسسة وخارجها مبنية على الصدق والشفافية.
وتساهم القيم التي تركز على المسؤولية الاجتماعية والبيئية في تعزيز جهود المؤسسة نحو التنمية المستدامة، كما تساعد في توجيه سلوك الموظفين نحو التصرف بأخلاقية ونزاهة. إنها توفر إطارًا مرجعيًا يساعد في اتخاذ القرارات الصائبة والمتسقة مع المبادئ الأساسية للمؤسسة، وتشجع على الالتزام بالجودة وخدمة العملاء، وتعمل على خلق تجربة إيجابية للعملاء وتعزيز العلاقات المستدامة معهم، فضلا عن أنها تؤدي إلى بناء سمعة جيدة للمؤسسة في السوق والمجتمع، مما يزيد من جاذبيتها للعملاء والشركاء والمستثمرين.
مفهوم سياسات العمل
تعتبر سياسات العمل مجموعة من القواعد والإرشادات المكتوبة التي تهدف إلى تنظيم العمل اليومي وضمان الامتثال للمعايير والقوانين، وسياسات العمل تضعها المؤسسة لتنظيم العمليات اليومية وضمان الامتثال للقوانين واللوائح، وتهدف إلى توفير إطار عمل واضح ومرجعية موحدة للموظفين حول كيفية القيام بمهامهم. هذه السياسات تكون ملموسة وموثقة ومعتمدة أصحاب الصلاحية في المنظمة، وترتكز على الجانب الإداري والعملي، ومن الأمثلة على سياسات العمل: سياسة الإجازات، سياسة الأجور، سياسة التحفيز والمكافآت، سياسة الأمان والصحة المهنية، وسياسة استخدام التكنولوجيا، ومن خلال سياسة الإجازات على سبيل المثال، فإن المنظمة تحدد عدد الأيام المسموح بها للموظفين للحصول على إجازة سنوية وشروط استحقاقها.
وتساعد سياسات العمل في ضمان التزام المنظمة بالمعايير الصناعية والتجارية والخدمية والتنظيمية، كما تضمن السياسات التي تتعلق بالموارد البشرية تحقيق العدالة والمساواة في التعامل مع الموظفين بعيدا عن التمييز والتفرقة، وتوفر فرصا متساوية ومتكافئة للجميع، وتساهم السياسات في دعم استدامة الأعمال من خلال التركيز على المسؤولية البيئية والاجتماعية، والمساهمة في تحقيق النمو من خلال وضع إطار عمل منظم يدعم الابتكار والتوسع المستقبلي.
الفروق بين القيم المؤسسية وسياسات العمل
الفرق الرئيسي بين القيم المؤسسية وسياسات العمل هو أن القيم المؤسسية تعكس المعتقدات والمبادئ الأساسية للمؤسسة، بينما تهدف سياسات العمل إلى وضع إطار عملي لتنظيم العمل اليومي. كما أن القيم تركز على الجانب الأخلاقي والثقافي والمهني، أما السياسات فتركز على الجانب الإداري والعملي، وبمعنى آخر، فإن القيم المؤسسية تمثل المبادئ الأساسية والأخلاقية التي توجه سلوك المؤسسة، بينما تمثل سياسات العمل القواعد والإجراءات العملية التي تنظم كيفية تنفيذ الأعمال اليومية. كما أن القيم تركز على الهوية والثقافة، في حين تركز السياسات على الكفاءة والتنظيم.
ونستخلص مما سبق أن القيم تحاول نقل المشاعر الإيجابية ومشاعر تحقيق الذات وتحقيق تطلعات العملاء (وخاصة المستفيدين والمستخدمين للمنتجات) وتعزز لديهم روح التميز والتفرد عن الآخرين، أما سياسات العمل فتعتبر أداة لتحقيق القيم والأهداف من خلال الالتزام بالمعايير والتعليمات والإجراءات وخرائط التدفق وغيرها، وهنا، نجد أن السياسات تدور في مجملها حول العاملين وضبط سلوكهم وتصرفاتهم وأدائهم.
إن فهم الفرق بينهما يساعد المؤسسات على تحقيق توازن بين الجانب الأخلاقي والإداري، مما يسهم في نجاحها واستدامتها..
آلية التحقيق أو التنفيذ
يمكن تحقيق وتجسيد (القيم المؤسسية) من خلال خلق ثقافة تنظيمية قوية تلتزم بالمبادئ الأساسية للمؤسسة. يبدأ التنفيذ من القيادة العليا التي يجب أن تكون نموذجًا يُحتذى به في تجسيد هذه القيم. تتجسد القيم المؤسسية عبر الأنشطة التفاعلية مثل ورش العمل، البرامج التدريبية، والاجتماعات الدورية التي تركز على أهمية هذه القيم وكيفية تطبيقها. يمكن استخدام نظام المكافآت والتقدير لتعزيز السلوكيات التي تتماشى مع القيم المؤسسية، مما يساعد في ترسيخ هذه القيم كجزء لا يتجزأ من هوية المؤسسة وثقافتها. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد المؤسسات على تقديم أمثلة عملية وتجارب ناجحة تظهر تأثير الالتزام بالقيم المؤسسية، مما يساعد في تحفيز الموظفين على تبني هذه القيم في أعمالهم اليومية..
أما (سياسات العمل)، فإن آلية تنفيذها تكون أكثر وضوحا وصرامة. يبدأ التنفيذ من خلال توثيق السياسات بشكل مكتوب وتوزيعها على جميع الموظفين لضمان فهمهم الكامل لها. توضع إرشادات وقواعد واضحة يتم توصيلها وتطبيقها بانتظام. تُستخدم أدوات مثل الكتيبات الإرشادية، الاجتماعات الدورية، البطاقات الإلكترونية، والنظام الإداري لضمان الالتزام بالسياسات. لضمان الامتثال، تُكلف المنظمة مسؤولين أو تُنشأ قسمًا لمراقبة تنفيذ السياسات وتقديم تقارير دورية حول الامتثال. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتضمن السياسات آليات للتقييم والمراجعة الدورية لتحديثها وفقًا للتغييرات القانونية والتقنية. تُطبق العقوبات في حالة عدم الامتثال، مما يعزز من جدية الالتزام بهذه السياسات ويضمن تنظيم العمل بكفاءة.

أثرهما على بيئة المنظمة وأدائها المؤسسي
إن وجود قيم مؤسسية وسياسات عمل قوية يلعب دورا محوريا في تعزيز بيئة العمل، وتحسين تجربة العملاء، وتحقيق أهداف المنظمة. فالقيم توفر الإطار الأخلاقي والثقافي، بينما تضمن السياسات التنظيم والكفاءة. هذا التكامل بين القيم والسياسات يساهم في بناء مؤسسة ناجحة ومستدامة تلبي توقعات الموظفين والعملاء وتحقق أهدافها الاستراتيجية بكفاءة..
وتساعد القيم المؤسسية في خلق بيئة عمل إيجابية تحفز الموظفين على تحقيق أفضل أداء، أما سياسات العمل فتضمن أن الجميع يعملون وفقا لنفس القواعد والإجراءات، مما يقلل من الفوضى ويزيد من الكفاءة.
أولا – أثرهما على بيئة العمل:
أثر القيم المؤسسية على بيئة العمل
* تعزيز الانتماء والثقة: توفر القيم المؤسسية إطارا مشتركًا للموظفين يعزز شعورهم بالانتماء والثقة في بيئة العمل.
* تحفيز الابتكار والتعاون: القيم التي تدعم الابتكار والتعاون تعزز من روح الفريق وتحفز الموظفين على مشاركة الأفكار والعمل بشكل جماعي لتحقيق الأهداف.
* توجيه السلوك الأخلاقي: تعمل القيم المؤسسية كبوصلة أخلاقية تساعد في توجيه سلوك الموظفين نحو التصرف بأخلاقية ونزاهة..
أثر سياسات العمل على بيئة العمل على بيئة العمل
* الانضباط والتنظيم: توفر سياسات العمل إطارًا تنظيميًا يضمن سير العمل بشكل منضبط وفعال، مما يقلل من الفوضى والنزاعات.
* المساواة والعدالة: تضمن السياسات العادلة أن يتم التعامل مع جميع الموظفين بشكل متساوٍ وبعيدًا عن التمييز.
* الوضوح والتوجيه: تساعد السياسات على توفير توجيهات واضحة للموظفين حول المهام والمسؤوليات، مما يزيد من وضوح الأدوار وتحقيق الكفاءة.
ثانيا – أثرها على العملاء:
أثر القيم المؤسسية على العملاء
* بناء الثقة والولاء: القيم المؤسسية مثل الشفافية والنزاهة تعزز من ثقة العملاء في المؤسسة وتجعلهم أكثر ولاء لها.
* تحسين تجربة العملاء: القيم التي تركز على الجودة والاحترام تضمن تقديم خدمات ومنتجات تلبي توقعات العملاء وتزيد من رضاهم.
* التواصل الفعال: القيم المؤسسية التي تعزز التواصل المفتوح والصادق تساعد في بناء علاقات قوية ومستدامة مع العملاء.
أثر سياسات العمل على العملاء
* تحسين جودة الخدمة: تساهم سياسات العمل في تقديم خدمات عالية الجودة بشكل مستمر، مما يزيد من رضا العملاء.
* الامتثال والموثوقية: تضمن السياسات الامتثال للقوانين والمعايير، مما يعزز من موثوقية المؤسسة في نظر العملاء.
* التعامل مع الشكاوى بفعالية: تضمن السياسات وجود آليات محددة للتعامل مع شكاوى العملاء وحلها بسرعة وفعالية، مما يحسن من تجربة العملاء..
ثالثا – أثرها على تحقيق أهداف المنظمة:
أثر القيم المؤسسية على تحقيق أهداف المنظمة
* توجيه الاستراتيجية: تساعد القيم المؤسسية في توجيه الاستراتيجيات العامة للمنظمة بما يتماشى مع مبادئها الأساسية.
* تحقيق الاستدامة: تساهم القيم في بناء سمعة قوية ومستدامة للمؤسسة، مما يساعدها في تحقيق أهدافها طويلة المدى.
* زيادة الكفاءة والأداء: تشجع القيم المؤسسية على الالتزام بالجودة والتفاني في العمل، مما يؤدي إلى تحقيق أهداف الأداء بكفاءة..
أثر سياسات العمل على تحقيق أهداف المنظمة
* تحقيق الأهداف التشغيلية: تضمن السياسات تنظيم العمليات اليومية بشكل فعال، مما يساعد في تحقيق الأهداف التشغيلية بكفاءة.
* التكيف مع التغييرات: تساهم السياسات المرنة في قدرة المنظمة على التكيف مع التغييرات في السوق والتكنولوجيا، مما يساعد في تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
* تعزيز الالتزام والامتثال: تضمن السياسات التزام الموظفين بالمعايير والقوانين، مما يقلل من المخاطر القانونية ويحسن من سمعة المؤسسة..
الثبات والتطوير
يمكن أن تتغير سياسات العمل مع تغير الظروف والاحتياجات التنظيمية، مثل إدخال تكنولوجيا أو تقنيات أو أدوات أو أنظمة جديدة أو تحديث للتشريعات والقوانين والأنظمة الحكومية، بالمقابل، القيم المؤسسية تكون أكثر ثباتا وتستمر على مدى طويل، لأنها تعكس هوية المؤسسة ورسالتها، وتتم مراجعتها عادة عند بناء الخطط الاستراتيجية الجديدة، وربما تستمر جزاء من عدة خطط استراتيجية متعاقبة..
التكامل بين القيم والسياسات
من خلال الاستعراض السابق، نجد أن هناك تقاطعات بين القيم والسياسات، وهذا التقاطعات تفتح المجال لإيجاد حالة من التكامل والتوافق بين القيم والسياسات، ونظرا إلى أن القيم أكثر ثباتا، وتثير الجانب العاطفي لدى العملاء، وتعزيز الميزة التنافسية للمنظمة، فظهرت هناك حاجة لتسخير السياسات لصالح القيم في بعض الجوانب، فظهرت لدينا عدد من السياسات التي تخدم القيم وتجعلها أكثر واقعية وقابلية للتطبيق، فإذا كانت المنظمة تقدر الابتكار كقيمة مؤسسية على سبيل المثال، فإنها تشجع موظفيها على تقديم أفكار جديدة وتحسين العمليات. لتطبيق هذه القيمة وتفعيلها، ستضع المنظمة سياسة عمل تحدد كيفية تقديم الأفكار الجديدة وكيفية تقييمها وتنفيذها، وقد تطلق عليها اسم “سياسة الابتكار”، وبذلك، يصبح الابتكار لدينا يمثل قيمة، ونطبقه من خلال سياسة عمل..
وأخيرا..
تعد القيم المؤسسية وسياسات العمل عنصرين حيويين في أي مؤسسة. بينما تعبر القيم عن المعتقدات والمبادئ الأساسية، توفر السياسات إطارا عمليا تطبيقيا لتنظيم العمليات اليومية. وفهم الفرق بينهما يساعد المؤسسات على تحقيق توازن بين الجانب الأخلاقي والإداري، مما يسهم في نجاح المنظمة واستدامتها.
اكتشاف المزيد من خالد الشريعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
انشر رأيك أو تعليقك حول هذا الموضوع