شاطئ البحر الميت…
في صيف 2014، وبعد أن كنا نعتزم الذهاب إلى مدينة العقبة، ونتيجة لضيق الوقت، رأينا أن نتوجه بدل ذلك إلى شاطئ البحر الميت، فهو الأقرب والأسهل في الوصول إليه.. وبعد استعداد وتجهيز توجهنا إليه مرورا بعمان..
وعندما اقتربنا من البحر، وشاهدنا صفيح مياهه عن بعد، بدأت ترتسم في مخيلتنا صور إيجابية عنه، فالطريق إلى هناك دائم الخضرة، والأشجار على جنبات الطريق حتى وصلنا، وأول ما وصلنا إليه من مواقع كان الشاطئ العام، وهو شاطئ مجاني..
عندما تنظر إلى الشاطئ من بعيد، تستبشر خيرا، فهو يبعد نحو (400 – 500) متر عن الشارع، وتبدو هناك ساحات لوقوف السيارات، وولجنا إلى هذه الساحات..
هناك العديد من بائعي القهوة والمشروبات الباردة والساخنة، في دكاكين بسيطة تشبه تلك التي في إفريقيا الوسطى منها ما يمكنه صد حر الشمس، ومنها مصنوع من الخيش الذي يجعلك تتردد حتى في إلقاء السلام على صاحبه..
عند الساحات، لا زال الشاطئ بعيدا، شاهدت عدة مركبات تنحدر صوب الشاطئ في ممرات كتلك التي نراها في الجبال التي يصعدها الهواة بسياراتهم المجنونة، وبعد أن أوقفت سيارتي ذات الدفع الرباعي في إحدى الساحات، وجدت أنه من الصعب أن ننحدر مشيا على الأقدام تجاه الشاطئ..
عدنا إلى المركبة، وانحدرنا بها إلى الشاطئ، كان الطريق وعرا للغاية، وكأنه مجرى لجداول ماء تم تجفيفها، وبقيت آثارها، فتارة تميل السيارة نحو اليمين وتارة نحو اليسار وبانحدار حاد بين الحين الآخر، وكأنك تنزل على سلم خشبي..
وصلنا بحمد إلى أقرب نقطة إلى الشاطئ، وتمعنت الأكشاك التي يطلق عليها أصحابها أسماء مقاهٍ أو استراحات، وهي عبارة عن أعواد خشبية أو حديدية وعليها قطعة من الخيش أو القماش التالف القديم، ويبيعون القهوة والمياه البارة والمشروبات الغازية..
ترجلنا من السيارة، وتوجهنا صوب الشاطئ، لكي نضع أقدامنا في الماء بدل السباحة، وكان الأولاد متلهفين للوصول الماء المالح..
لكن، عن أي شاطئ نتحدث..
إنه شاطئ تجوب حوله خيول وحمير وبغال الأجرة، وقد اختلطت فضلاتها بالأملاح بالتراب بالماء، وتحجرت، فأصبح لون تراب الشاطئ داكنا، يشبه في لونه فضلات الأبقار والخيول والأغنام. وأما رائحته، فحدث ولا حرج، إنني أتكلم بحق عن شاطئ اختلطت فضلات الحيوانات بترابه وأملاحه، وهي متحجرة لدرجة أنها تتحمل المشي فوقها، بل وتتحمل إطارات السيارات دون أن تترك عليها أثرا..
لقد كان هناك أشخاص مسرورين بجلستهم على الشاطئ، ويستمتعون بصوت الماء الذي يرتطم بأقدامهم أو سيقانهم أو بالتراب الحجري حولهم..
لكن العديد ممن وصلوا إلى الشاطئ مثلي كانوا يصلون ويعودون فورا بسياراتهم، وهذا ما فعلنا نحن أيضا.. لقد كانت معظم المركبات تحمل لوحات عربية غير أردنية، تصل الشاطئ وتعود، وكأنها إلى هدفها، وعليها العودة مسرعة لتسليم الأمانة..
كان الشاطئ قذرا للغاية، وأما الخدمات التي تحيط به، فهي أكثر قرفاً وبدائية مما في إفريقيا الوسطى، علاوة على حرارة الجو التي لا يمكن التغلب عليها في ظل الظروف الراهنة هناك.
ركبنا السيارة، وشبكت ناقل السرعة الخاص بالدفع الرباعي، وهممنا بالصعود، إننا نصعد جبلا وعرا مليئا بالحقر والعروق والتدرجات وبقايا السيول والحجارة، وأنواع أخرى من الفضلات والنفايات، وكان علينا المشي ببطء شديد، لنتمكن من الخروج من هذا المأزق بسلامة..
إن هذا الشاطئ المجاني يا صديقي، ليس بشاطئ، إنما هو (مكب لفضلات بعض الحيوانات) ولا يوجد به أي خدمة تليق بالكائن البشري، سوى تلك الساحات البعيدة المصممة كمواقف للسيارات..
وبعد أن منّ الله تعالى علينا الخروج من هذا المأزق، توجهنا إلى الاستثمارات السياحية على الشاطئ، وهي سلسلة من الفنادق والمنتجعات الفاخرة، وكانت في معظمها نظيفة، وأسعارها نظيفة أيضا، لدرجة أن رسم دخول الفرد الواحد إلى الشاطئ تقدر بثلاثين دينارا أردنيا، أي حوالي 42 دولارا، والخروج إجباري عند الساعة السادسة مساء..
وبعد أن عرجنا على معظم هذه الاستثمارات السياحية، استقر الحال بنا في منتجع عمان (إن كان الاسم صحيحا)، وكانت رسوم الدخول عشرة دنانير فقط للأردنيين، ودخلنا إلى هناك، وعندما وصلنا إلى الشاطئ، كان نظيفا ومقبولا، إلا أنك لا تستطيع الجلوس إلا على التراب المستورد الملتهب من شدة حرارة الشمس، أو تخرج للأعلى لتجلس بجوار المسابح المائية المكتظة بالعائلات والأطفال تحت نور الشمس ولهيبها..
لقد مكثنا هناك في مدة لا تزيد عن ساعة واحدة، كانت مقرفة بمعنى الكلمة، وسيئة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. والظريف في شاطئ منتجع عمان، أنه كان مليئا بالسائحات العاريات في ما عدا العورات.. وكان هذا المنظر محرجا لابني عمرو (ابن التسع سنوات)، حيث كان يغض بصره عنهن، ويسألني عندما نواجه إحداهن، ويقول له ذهبت، فيريد أن يتأكد أن عينه لن تقع على حرام.. ولا أدري أيهما كان أكثر حرجا أهو الابن أم الأب؟
وبالنهاية، فإن شاطئ البحر الميت العام، ما هو إلا صورة سيئة لتجبرك على إكمال رحلتك في المنتجعات السياحية الاستثمارية مجهولة المالكين..
هذه هي قصة رحلتنا إلى شاطئ البحر الميت في صيف 2014م..
أتمنى أن يكون هذا درسا لكل من يقرأ هذا الإدراج، ولا يفكر في التوجه صوب هذا الشاطئ، وخاصة الرحلات العائلية..
وتوتة توتة، خلصت الحدوثة..
أغسطس: 2014