ملخص كتاب العوامل الخمسة لخلل العمل الجماعي – للمؤلف باتريك لينسيوني
مقدمة:
يقدم باتريك لينسيوني في كتابه المصنف من ضمن أفضل كتب القيادة وعنوانه: (العوامل الخمسة لخلل العمل الجماعي) إطارا تحليليا معمقا يكشف عن الأسباب الجذرية التي تعيق الفرق عن تحقيق أقصى إمكاناتها، يرى لينسيوني أن النجاح الجماعي ليس مجرد محصلة لمجموع الكفاءات الفردية، بل هو نتاج تفاعل ديناميكي صحي بين أعضاء الفريق، محكوما بخمسة تحديات مترابطة تتخذ شكل هرم، حيث يؤثر كل مستوى على الذي يليه، يبدأ هذا الهرم من القاعدة الأكثر أهمية، وهي غياب الثقة، ويتصاعد تدريجيا ليشمل الخوف من الصراع، وغياب الالتزام، والتهرب من المساءلة، لينتهي بانعدام التركيز على النتائج، يهدف هذا الملخص إلى استعراض هذه العوامل بالتفصيل، موضحا كيف يمكن لكل منها أن يشكل عقبة أمام الأداء الجماعي، ومقدما حلولا عملية مستوحاة من منهجية لينسيوني لتمكين الفرق من تجاوز هذه التحديات وبناء بيئة عمل جماعي فعالة ومنتجة.
العامل الأول: غياب الثقة
في كتابه (عوامل الخلل الخمسة في العمل الجماعي)، يرى باتريك لينسيوني أن غياب الثقة يشكل القاعدة الأضعف والأكثر خطورة في هرم المعوقات التي تعصف بالفرق، فدون معالجة هذا الخلل، تصبح أي محاولة لبناء فريق عمل فعال مجرد جهد عابر وغير مستدام، لكن مفهوم الثقة هنا لا ينحصر في الكفاءة الفنية أو الالتزام بالمواعيد، بل يتجذر فيما يسميه لينسيوني (الثقة القائمة على الضعف).
تبنى هذه الثقة على استعداد الأفراد للانفتاح والصدق بشأن جوانب ضعفهم، أخطائهم، قصورهم في المهارات أو المعرفة، وحتى حاجتهم للدعم من زملائهم، إنها الثقة التي تخلق بيئة من الأمان النفسي، حيث يشعر عضو الفريق بالحرية ليقول: (لقد أخطأت)، (لا أعلم الإجابة)، أو (أحتاج إلى المساعدة)، دون الخوف من سوء الفهم، التقليل من شأنه، أو إقصائه من دوائر التأثير وصنع القرار.
عندما تغيب هذه الثقة، يتحول العمل الجماعي إلى ساحة يتوارى فيها الأفراد خلف أقنعة دفاعية، ويهتم كل منهم ببناء صورة مثالية لنفسه بدلا من التركيز على الأهداف المشتركة للفريق، تتجلى مظاهر هذا الغياب في إخفاء المعلومات، تجنب طرح الأسئلة الحرجة، أو عدم الاعتراف بالتقصير، تفضي هذه السلوكيات إلى ضعف التعاون، تدهور جودة تبادل المعرفة، وتراجع قدرة الفريق على اتخاذ قرارات جماعية فعالة.
قصة فريق (DecisionTech) تحت وطأة غياب الثقة
يقدم باتريك لينسيوني في كتابه قصة تخيلية لشركة تقنية تدعى (DecisionTech)، على الرغم من امتلاكها فريقا إداريا يضم أفرادا ذوي كفاءة عالية وخبرات واسعة، إلا أن الأداء الجماعي للفريق كان متدهورا بشكل لافت، هنا تتدخل المديرة التنفيذية الجديدة، تمتلك كاثرين بيترسون، بخلفيتها في إدارة العمليات (وليس التقنية)، حسا تحليليا حادا في فهم ديناميكيات الفرق.
منذ اللحظة الأولى، تدرك كاثرين أن التحدي الأكبر لا يكمن في ضعف الكفاءات الفردية، بل في هشاشة الروابط بين أعضاء الفريق. فغياب الانفتاح، ورفض الاعتراف بالأخطاء، والامتناع عن طلب الدعم، كلها مظاهر كشفت عن ثقافة يغلب عليها الطابع الفردي، مغطاة بمظاهر المجاملة الشكلية. كل عضو انغلق على نفسه، يعمل في (صومعة) منعزلة، حريصًا على الظهور بمظهر القوة بدلًا من مصارحة الواقع. هذا المناخ عزز القطيعة، وعرقل التواصل، وأضعف الالتزام، مما أدى إلى غياب التعاون الحقيقي وروح الفريق.
في أحد الاجتماعات المحورية، تبدأ كاثرين بتحفيز الفريق تدريجيا على فتح باب الصراحة، وذلك بمشاركتها هي شخصيا في الحديث عن أخطائها، وضعف خبرتها في المجال التقني، بهذه الخطوة، تبعث كاثرين رسائل ضمنية قوية مفادها أن القيادة الحقيقية تبدأ من الاعتراف بالقصور، وأن هذا الاعتراف لا يقلل من المكانة، بل يعززها، تستمر القصة في الكشف عن التوترات الخفية والصراعات الداخلية التي ولدتها ثقافة غياب الثقة، لتكون هذه السردية أداة تحليلية قوية توضح كيف يمكن لفريق واعد أن يصاب بالشلل لمجرد افتقاده للشجاعة النفسية لممارسة الصدق المتبادل.
خطوات عملية لبناء الثقة
إن إعادة بناء الثقة داخل الفريق ليست عملية سريعة ولا إصلاحا شكليا، بل هي مسار طويل يتطلب التزامًا عميقًا من القيادة وممارسات منهجية تستهدف تعزيز بيئة آمنة نفسيًا وتشجيع الصراحة والشفافية. ومن أبرز هذه الممارسات:
- البدء بالقدوة: على القادة أن يظهروا (الانكشاف الواعي) من خلال الاعتراف بأخطائهم، وطلب الملاحظات، والتحدث بصراحة عن التحديات، مما يشجع الآخرين على فعل الشيء ذاته دون خوف من اللوم أو التقليل من القيمة.
- إرساء أطر الحوار الصريح: تخصيص مساحات منظمة ومنتظمة للنقاش المفتوح، حيث يمكن لأعضاء الفريق التعبير عن مخاوفهم أو اقتراحاتهم دون رقابة أو أحكام، مع توفير آليات تحترم التنوع في أساليب التعبير.
- الاستجابة بدلا من رد الفعل: التعامل مع الأخطاء أو الإخفاقات بردود فعل مدروسة تدعم التعلم والتحسين، بدلا من العقاب أو التوبيخ، مما يعزز الثقة بأن الفريق بيئة للتطور لا للمحاسبة العقابية.
- المكافأة على الصراحة: تعزيز سلوك الصدق والشفافية من خلال التقدير العلني أو الرمزي لمن يبادر بالمصارحة أو يساهم في تصحيح مسار العمل، لترسيخ ثقافة ترى في الصراحة قيمة لا تهديدًا.
- الاستماع الفعّال وبناء القرب العلائقي: تنمية مهارات الاستماع العميق لدى القادة، وتطوير علاقات إنسانية حقيقية مع أعضاء الفريق، بحيث يشعر كل فرد بأنه مسموع ومُقدّر.
هذه الممارسات، عندما تنفذ بثبات وصدق، تمكن الفريق من ترميم الثقة المتآكلة، وتضع أساسًا لتعاون أكثر عمقًا وفاعلية، حيث يؤكد لينسيوني أن الثقة تبنى ببطء ولكنها تهدم بسرعة، قد تحتاج أشهرا من العمل الجاد لبناء مناخ من الانفتاح الآمن، ولكن تصرفا واحدا من القائد يتسم بالإدانة، السخرية، أو الانتقاد غير المنصف قد يقوض كل ذلك في لحظة واحدة.
العامل الثاني: الخوف من الصراع
إذا كانت الثقة المتبادلة هي الركيزة الأساسية للعمل الجماعي الفعال، فإن غيابها يؤدي حتما إلى ثاني أكبر معوق لنجاح الفريق: الخوف من الصراع، هنا، لا يشير الصراع إلى النزاعات الشخصية أو الخصومات العدائية، بل إلى الصراع الفكري البناء، هذا النوع من الصراع يسمح بطرح وجهات النظر المختلفة، تحدي الأفكار، والوصول إلى قرارات أكثر نضجا ودقة.
عندما تنعدم الثقة، يصبح أعضاء الفريق أسرى المجاملات الشكلية، ويتجنبون طرح الأسئلة الجريئة أو تقديم الملاحظات الصريحة، حتى عندما تكون ضرورية، ينتج عن هذا السلوك ما يسميه باتريك لينسيوني في كتابه (الانسجام الزائف) في هذه الحالة، يبدو الفريق متماسكا من الخارج، بينما يخفي داخله ترددا، توترا، وخوفا من زعزعة هذا التماسك الموهوم، في مثل هذه البيئة، لا تطرح القضايا الحقيقية على الطاولة، ولا يراجع أداء الأفراد بصدق، مما يؤدي إلى ضياع فرص التحسين والتطور.
إن المشكلة الأساسية ليست في وجود الصراع، بل في غيابه في اللحظة التي يكون فيها ضروريا ومثمرا، الفرق الناجحة لا تتهرب من المواجهة، بل تعتبر الصراع الفكري وسيلة أساسية لصقل الأفكار، وجودة القرارات، واختبار الافتراضات، إن الصراع هنا ليس تهديدا لوحدة الفريق، بل دليل على الحيوية والتفاعل والمشاركة الحقيقية.
هدوء زائف يخفي توترا مكتوما
يجسد كتاب لينسيوني هذا الخلل من خلال القصة التخيلية لشركة (DecisionTech)، حيث كانت المديرة التنفيذية الجديدة، (كاثرين بيترسون) تراقب الفريق في اجتماعاته وتلاحظ أمرا مثيرا للريبة: الهدوء المبالغ فيه، لم يكن هذا الهدوء علامة على الانسجام الحقيقي، بل انعكاسا لثقافة الصمت والامتناع عن المواجهة، فقد كان أعضاء الفريق يتجنبون النقاشات الجادة حول القضايا المهمة، ويمتنعون عن تقديم النقد أو حتى طرح الأسئلة الصعبة، أحد الأمثلة البارزة كان أداء (مارتن)، مدير التسويق، الذي كان يقصر في مهامه بشكل واضح، لكن لم يجرؤ أحد على مواجهته خوفا من الإحراج أو زعزعة العلاقات.
قادت كاثرين الفريق إلى مواجهة هذه الحقيقة المؤلمة، وبيّنت لهم أن القائد الذي لا يفتح المجال للصراع البنّاء، يخلق بيئة مليئة بالتوترات المكتومة والقرارات السطحية، بدأت في إعادة تشكيل ثقافة العمل، من خلال تشجيع النقاشات الجريئة والمنضبطة، وتعليم الفريق أن الصراع لا يعني العداء، بل هو تعبير عن الالتزام بالقضية المشتركة والحرص على تحقيق أفضل النتائج، وهكذا، تحول الصراع من كونه مصدر قلق إلى كونه أداة استراتيجية للحوار، النمو، والتحسين المستمر.
في هذا السياق، شدّد مؤلف الكتاب على أن القادة الناجحين لا يتهربون من الخلافات، بل يهيئون لها مساحة آمنة، ويقودون بأنفسهم نموذجا من الصراحة غير العدوانية، حيث تناقش الأفكار بقوة دون أن يمس ذلك الأشخاص.
ممارسات عملية لتعزيز الصراع البنّاء داخل الفريق:
لغرس ثقافة الصراع البنّاء، يمكن تبني الممارسات التالية:
- إرساء قواعد تنظيمية واضحة: تشجع هذه القواعد على الاختلاف الإيجابي، وتحمي النقاش من الانحراف نحو التجريح أو التهرب، يجب أن يفهم الجميع أن الهدف هو الأفكار وليس الأشخاص.
- تبني الخلاف كأداة تفكير: يمكن للقائد طرح أسئلة تفتح المجال لوجهات نظر متنوعة، مما يحفز التفكير النقدي ويخرج الفريق من منطقة الراحة الفكرية.
- بناء وعي جماعي: يجب تدريب الفريق على التفريق بين الصراع الفكري والهجوم الشخصي، لتجنب الحساسية الزائدة أو الدفاعية غير المبررة.
- القيادة بالنموذج: على القائد أن يظهر قبوله للنقد واستعداده لسماع وجهات نظر مخالفة، دون ردود فعل دفاعية أو عقابية، هذا يخلق بيئة آمنة للموظفين للتعبير عن آرائهم بحرية.
العامل الثالث: غياب الالتزام
بعد أن يهتز أساس الثقة، ويستبدل الصراع الصحي بالتجنب والانسجام الزائف، يظهر الخلل الثالث في مسار فشل العمل الجماعي، وهو غياب الالتزام الجماعي الحقيقي، يشير هذا الخلل إلى الحالة التي يفشل فيها الفريق في اتخاذ قرارات واضحة والالتزام بتنفيذها بشكل موحد، حتى وإن تم التطرق إليها خلال النقاشات والاجتماعات.
من المهم التنبه إلى أن غياب الالتزام لا يعني بالضرورة تقاعسا أو ضعفا في الانضباط الفردي، بل غالبا ما يكون انعكاسا لوجود غموض في الرؤية أو غياب الحسم، فحين لا تكون القرارات حاسمة، أو عندما يشعر بعض الأعضاء أن آراءهم لم تحظ بالاعتبار الكافي أثناء النقاش، فإنهم يخرجون من الاجتماعات دون شعور بالارتباط العاطفي أو الفكري بما تم الاتفاق عليه، يؤدي هذا إلى التردد في التنفيذ، غياب التنسيق، وضعف تبني القرار على مستوى الفريق.
الجذر العميق لغياب الالتزام: الخوف من الصراع
وفقا لما يطرحه لينسيوني، فإن السبب الجوهري لغياب الالتزام لا يكمن في سوء النوايا أو ضعف الإرادة، بل يرتبط مباشرة بالخوف من الصراع، عندما يمنع الأعضاء من التعبير عن آرائهم بحرية، أو يستبعدون من النقاش الفعلي، فإنهم يفقدون الشعور بالملكية تجاه القرار، حتى وإن أبدوا موافقة شكلية في الاجتماع، مع مرور الوقت، تتراكم القرارات الرمادية وغير الملزمة، ويتراجع وضوح الاتجاه، وتتفكك الرؤية المشتركة.
كيف تعاملت كاثرين مع غياب الالتزام
في القصة الخيارية لشركة (DecisionTech) لاحظت المديرة التنفيذية الجديدة، كاثرين بيترسون، أن الفريق ينهي اجتماعاته دون اتفاق حاسم، فيغادر كل عضو وهو يحمل تصورا مختلفا لما تم اتخاذه، الأسوأ من ذلك، أن بعض الأعضاء كانوا يعبرون لاحقا عن رفضهم لما ظن الجميع أنه قرار متفق عليه، لكنهم لم يبدوا أي اعتراض أثناء الاجتماع نفسه.
شجع هذا التناقض كاثرين على مواجهة الفريق بحقيقة أنه يتجنب الحسم خشية الاصطدام، ويعاني من غياب الالتزام الحقيقي، ولذلك، بدأت في تطبيق نهجين رئيسيين:
- الوصول إلى وضوح نهائي: وهو أن يختتم كل اجتماع ببيان صريح لما تم الاتفاق عليه، يعرض بوضوح ويراجع من الجميع، بحيث لا يكون هناك مجال للتأويل أو الالتباس.
- فرض الالتزام الزمني: أي ربط كل قرار بتواريخ نهائية محددة تلزم الفريق بالحركة وتنقل القرارات من طور التفكير إلى حيز التنفيذ، وتمنع التسويف أو الانتظار غير المنتج.
أوضحت كاثرين أن بناء الالتزام لا يشترط التوافق الكامل أو الإجماع المطلق، بل يتطلب فقط أن يلتزم الجميع بالقرار الذي تم اتخاذه، حتى وإن لم يكن خيارهم المفضل، وعبّرت عن هذه الثقافة بمقولة بليغة: (نختلف اليوم داخل القاعة، لكننا نخرج منها متحدين في القرار والتنفيذ).
استراتيجيات عملية لتعزيز الالتزام داخل الفريق
لتعزيز الالتزام الفعال ضمن الفريق، يمكن اتباع الاستراتيجيات التالية:
- التوثيق الواضح للقرارات والنتائج المتوقعة: يجب أن يختتم كل نقاش ببيان واضح لما تم الاتفاق عليه، وأن يوثّق بطريقة مرجعية يسهل الرجوع إليها.
- تحديد مواعيد نهائية لكل قرار أو إجراء: الالتزام الزمني يحول القرارات إلى التزامات واقعية، ويمنح الفريق شعورا بالتحرك والزخم.
- الفصل بين الالتزام والإجماع: يجب أن يفهم الفريق أن تبني القرار لا يعني أن الجميع وافق عليه في البداية، بل أن الجميع اتفق على الالتزام به جماعيا بعد اتخاذه.
- المراجعة الدورية للقرارات المتخذة: من خلال اجتماعات متابعة منتظمة، يتم تقييم مدى التنفيذ، معالجة التحديات، وضمان استمرار التوجه الموحد.
- تشجيع التعبير الصريح أثناء الاجتماعات: يهيئ القادة الناجحون بيئة تشجع على النقاش الحاد والاختلاف، لضمان سماع كل صوت قبل الوصول إلى قرار نهائي وملزم للجميع.
العامل الرابع: التهرب من المساءلة
مع غياب الالتزام الجماعي كأرضية مشتركة، يظهر الخلل الرابع في تفاعلات العمل الجماعي، وهو التهرب من المساءلة، تتمثل هذه المشكلة في عزوف أعضاء الفريق عن محاسبة بعضهم البعض على التقصير، أو على السلوكيات التي تتعارض مع القيم، الأهداف، أو المعايير المتفق عليها داخل الفريق، ما يجعل هذا الخلل خطيرا هو أنه لا يرتبط فقط بضعف الأداء، بل بتآكل ثقافة المسؤولية والانضباط الذاتي داخل الفريق، مما يؤدي إلى شيوع التهاون، غياب الدقة، وارتفاع مستوى التبرير واللامبالاة.
يؤكد باتريك لينسيوني أن المساءلة لا ينبغي أن تكون حكرا على القائد أو المدير، بل هي ممارسة جماعية متبادلة، تعبّر عن نضج الفريق وثقته الداخلية، فحين يكون لدى الفريق التزام مشترك ورؤية واضحة، يصبح الأعضاء أكثر استعدادا لمساءلة بعضهم البعض دون حرج أو توتر، لأنهم يدركون أن الهدف هو التحسين لا الإدانة، والحفاظ على الأداء لا استهداف الأشخاص.
لماذا يتجنب الأعضاء ممارسة المساءلة؟
التهرب من المساءلة ليس دائما نتيجة إهمال أو ضعف شخصية، بل غالبا ما ينبع من عدة أسباب مترابطة، أبرزها:
- غياب الالتزام الواضح: عندما لا يكون هناك اتفاق صريح على الأهداف أو المعايير، يصبح من الصعب على الأعضاء معرفة متى يجب التدخل أو على أي أساس تتم المحاسبة.
- الخوف من الإضرار بالعلاقات الشخصية: يتردد العديد من الأعضاء في مواجهة زملائهم حرصا على (السلام الاجتماعي)، معتقدين أن الصمت أفضل من إثارة التوتر، ولو على حساب الجودة.
- ثقافة المجاملة والمسايرة: وهي بيئة لا تشجع على الصراحة، وتثبط أي محاولة للمراجعة الداخلية أو الملاحظات المهنية المتبادلة.
- الاعتماد المفرط على القائد: حيث ينظر إلى المساءلة على أنها (من مهام الإدارة فقط)، سيسحب الدور الرقابي من الفريق، ويثقل كاهل القيادة بأعباء المراقبة والمتابعة وحدها.
عندما تجتمع هذه العوامل، تصبح المعايير شكلية، ويختل الالتزام الجماعي، وتضعف كفاءة الفريق بمرور الوقت، ليس بسبب ضعف الموارد أو المواهب، بل بسبب تآكل البنية التنظيمية للانضباط.
كيف واجهت كاثرين غياب المساءلة
في قصة DecisionTech، لاحظت المديرة التنفيذية كاثرين بيترسون أن تراجع الأداء لدى بعض الأعضاء بدأ يظهر بوضوح، دون أن يقابل بأي تدخل أو تنبيه من زملائهم، على سبيل المثال، حين تأخر أحد الأعضاء في تسليم تقرير مهم، لم يواجهه أحد، بل مرّ الحدث بصمت، وكأن المشكلة تخص الإدارة وحدها.
كان هذا الصمت علامة على ثقافة داخلية تتجنب المواجهة، وتفضّل المهادنة على التصحيح، مما أدى إلى تفكك غير معلن في روح الالتزام والانضباط الجماعي، لاحظت كاثرين أن أعضاء الفريق لا يشعرون بأن لديهم الحق أو المسؤولية في محاسبة بعضهم البعض، إما لأن المعايير لم تكن واضحة، أو لأن الصراع كان لا يزال مخيفا، أو لأنهم ببساطة لم يدربوا على ممارسة هذا النوع من الشفافية.
لذلك، بادرت كاثرين إلى إعادة تشكيل ثقافة الفريق عبر ثلاث خطوات أساسية:
- تعريف المساءلة بأنها التزام جماعي، وليست رقابة من الأعلى.
- تشجيع المحادثات الصريحة حول الأداء دون تأجيل أو تسويف.
- تصميم أدوات يومية وأسبوعية لقياس ومراجعة التقدم، بحيث تصبح المؤشرات مرئية للجميع، ويصبح الانحراف عن الأداء موضوعا جماعيا للنقاش، لا شأنا خاصا بالإدارة.
وكانت رسالتها واضحة: (الفريق القوي لا يتجنب المساءلة، بل يمارسها بثقة، لأنها علامة على احترام الهدف واحترام الزميل في آن واحد).
استراتيجيات عملية لتعزيز ثقافة المساءلة داخل الفريق:
لتعزيز المساءلة كقيمة أساسية في بيئة العمل الجماعي، يمكن تبني الاستراتيجيات التالية:
- الاتفاق المسبق على معايير واضحة للسلوك والأداء: يجب توثيق هذه المعايير بشكل يسهل الرجوع إليه، ويزيل أي غموض.
- تصميم أنظمة متابعة مرئية ومنتظمة: مثل لوحات الأداء الأسبوعية أو التقارير الدورية، التي تعكس مدى التقدم أو التقصير بطريقة شفافة ومحايدة للجميع.
- تشجيع الأعضاء على تذكير بعضهم بالمعايير المتفق عليها: دون انتظار تدخل المدير، وهو ما يعزز شعور الفريق بالملكية المشتركة للأداء.
- إتاحة مساحة للمساءلة المبكرة: حيث يتم التدخل عند ظهور أولى علامات الانحراف، بدلا من الانتظار حتى تتفاقم المشكلة.
- فصل المساءلة عن التوبيخ الشخصي: يجب أن تكون الملاحظات مبنية على الأداء والسلوك، لا على النوايا أو الافتراضات، مما يضمن مهنية التواصل ويخفف التوتر العاطفي.
العامل الخامس: عدم التركيز على النتائج
يمثل هذا العامل قمة الهرم في نموذج الخلل الجماعي، ويظهر عادة كنتيجة متراكمة لسلسلة الإخفاقات التي تسبقه: غياب الثقة، تجنب الصراع، غياب الالتزام، والتهرب من المساءلة، عندما لا تعالج هذه العوامل الأربعة، تبدأ الفرق في الانصراف عن تحقيق الهدف الأساسي للعمل الجماعي، وهو تحقيق النتائج المشتركة، وتتجه تدريجيا نحو التركيز على الأهداف الشخصية والهامشية التي تخدم مصالح الأفراد لا الفريق ككل.
يقصد بالنتائج هنا النتائج الجماعية التي تمثل المخرجات المتفق عليها بين أعضاء الفريق، وتشمل على سبيل المثال: تحقيق مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs)، الالتزام بالخطط الزمنية، تحسين جودة الخدمة أو المنتج، تحقيق رضا أصحاب المصلحة، وإنجاز الأهداف الاستراتيجية على مستوى الوحدة أو المنظمة، أما النجاحات الفردية أو تحسين السمعة الشخصية، فهي لا تمثل في هذا السياق سوى انحراف عن المسار الجماعي.
كيف يتجلى هذا الخلل في الواقع العملي؟
عندما يضعف تركيز الفريق على النتائج المشتركة، تظهر مجموعة من المظاهر السلوكية والتنظيمية المقلقة، التي تشير إلى تراجع البوصلة الجماعية، ومنها:
- تحوّل معايير النجاح من الجماعية إلى الفردية: يبدأ كل عضو بقياس نجاحه بناء على أدائه الشخصي فقط، ولو جاء ذلك على حساب الفريق.
- تصاعد روح التنافس الداخلي السلبي: بدلا من التكامل، تخفى المعلومات، وتقلل فرص التعاون، ويبدأ الأفراد بالنظر لبعضهم كخصوم.
- هيمنة المصالح الشخصية والانطباعات السياسية: تسيطر هذه العوامل على آلية اتخاذ القرار، مما يضعف الموضوعية ويهمّش البيانات والأدلة.
- فشل الفريق في تحقيق أهداف المؤسسة: يحدث هذا رغم توفر الكفاءات والموارد، وذلك بسبب غياب التنسيق وسوء توجيه الجهود.
الخطورة في هذا النوع من الخلل تكمن في كونه زاحفا ومتدرجا؛ إذ لا يحدث فجأة، بل يتسلل إلى ثقافة الفريق عندما لا تكون هناك رؤية واضحة، أو عندما لا تربط الجهود الفردية بالنتائج العامة، أو حين يكافأ الأداء الفردي المنعزل دون النظر لتأثيره على المجموعة.
كيف واجهت كاثرين هذا الخلل
في القصة التي استخدمها باتريك لينسيوني لتجسيد هذا النوع من الخلل، كانت شركة (DecisionTech) تضم فريقا تنفيذيا عالي المهارة من الناحية الفردية، لكن كل مدير كان يقيس النجاح فقط من زاوية إدارته، دون اعتبار للتكامل بين الأقسام أو مدى تقدم الفريق ككل.
بعض المديرين كانوا يركزون على تلميع صورة إداراتهم أمام الإدارة العليا، بينما آخرون سعوا إلى ترسيخ نفوذهم السياسي داخل المؤسسة، دون أي اهتمام بما إذا كانت مؤشرات الأداء الكلية للفريق تتحسن أم تتدهور، هذه السلوكيات خلقت بيئة يعمل فيها الأعضاء كـجزر معزولة، كلٌّ يغني على ليلاه، ما أدى إلى تآكل التوجه الجماعي وتدهور الفعالية التنظيمية.
أدركت كاثرين بيترسون أن هذا الانحراف في الأولويات كان نتيجة طبيعية لتراكم الخلل في الطبقات الأربع السابقة، فبادرت إلى تنفيذ سلسلة من الإجراءات الحاسمة لإعادة ضبط بوصلة الفريق نحو النتائج الجوهرية:
- صياغة أهداف جماعية دقيقة وقابلة للقياس، ووضعها في صلب كل اجتماع ونقاش وقرار.
- ربط المكافآت والتقدير والترقيات بتحقيق هذه الأهداف الجماعية، مما حفّز روح التعاون وقلّل من السلوكيات الفردية الأنانية.
- تعزيز ثقافة الدعم المتبادل، بحيث ينظر إلى نجاح كل عضو كجزء لا يتجزأ من نجاح الجميع.
- التصدي بوضوح للسلوكيات الفردية غير المنضبطة، وخاصة حالات (الإشعاع الفردي) التي تسعى للتميز على حساب الفريق.
- مراجعة الأداء بصورة جماعية منتظمة، مع مناقشة الانحرافات بلغة شفافة وعملية.
وكانت كاثرين تردد أمام فريقها عبارة جوهرية تختصر فلسفتها في القيادة الجماعية: (النتائج هي المعيار الحقيقي الوحيد، وكل ما دونها من راحة نفسية أو طموحات ذاتية أو مواقف داخلية يجب أن يعاد تنظيمه في خدمتها، لا أن يحل محلها)
استراتيجيات عملية لترسيخ التركيز على النتائج داخل الفريق:
لتعزيز التركيز على النتائج الجماعية وضمان فاعلية الفريق، يمكن تطبيق الاستراتيجيات التالية:
- تحديد مؤشرات أداء جماعية (KPIs) تكون مرئية ومعلنة، وتراجع بانتظام خلال اجتماعات الفريق.
- دمج الإنجاز الجماعي في تقييم الأداء السنوي، وربط المكافآت الفردية بشكل مباشر بالأداء الكلي للفريق.
- تصميم أدوات عرض مرئي للتقدم مثل لوحات القيادة تظهر بشكل شفاف مدى تقدم الفريق نحو أهدافه المشتركة.
- الاحتفاء بالنجاحات كإنجاز جماعي، لا كنجاح شخصي، مع إظهار كيف ساهم كل عضو في هذا النجاح.
- ترسيخ شعار (ننجح معا أو نفشل معا)، كجزء من الهوية الثقافية للفريق، مع التأكيد المستمر على أن التميز الفردي الحقيقي هو الذي يعزز النتائج المشتركة لا يتجاوزها.
بهذا نكون قد استعرضنا العوامل الخمسة للخلل في العمل الجماعي حسب باتريك لينسيوني، هل ترغب في أي مراجعات إضافية أو لديك أسئلة أخرى حول هذا الموضوع؟
رسالة إلى الجميع:
إن نجاح منظماتنا يعتمد بشكل أساسي على فعالية فرق العمل، يوضح باتريك لينسيوني أن الخلل يكمن غالبا في ديناميكيات الفريق، وليس فقط في الكفاءات الفردية.
لكي نتمكن من بناء فرق عمل قوية، يجب علينا:
- بناء الثقة: تبدأ بشجاعة الأفراد في إظهار الضعف والاعتراف بالأخطاء.
- تشجيع النقاشات الجماعية الفعّالة: حوار مفتوح يتبادل فيه الجميع الآراء ويصقل الأفكار وينتج قرارات أفضل.
- ترسيخ الالتزام الجماعي: توحيد الجهود حول القرارات المتخذة، حتى لو اختلفت الآراء في البداية.
- تعزيز المساءلة المتبادلة: أن يحاسب الزملاء بعضهم البعض كمسؤولية جماعية نحو الأداء.
- التركيز الموحد على النتائج الجماعية: تجاوز الأهداف الشخصية والعمل لتحقيق النجاح المشترك.
ندعوكم جميعا لتبني هذه المبادئ: قيادة واعية تبدأ بالقدوة، وضوح وشفافية في كل شيء، وبيئة آمنة نفسيا حيث يحتفى بالصدق.
الاستثمار في هذه الديناميكيات هو استثمار في مستقبل منظمتنا، لنعمل معا لبناء فرق تتفوق وتحقق إنجازات استثنائية.
خاتمة:
نحو فرق عمل فعالة تتبنى مبادئ لينسيوني
يقدم نموذج باتريك لينسيوني لعوامل الخلل الخمسة خارطة طريق واضحة لفهم وتجاوز التحديات التي تواجه الفرق في مسعاها نحو التميز، من خلال معالجة غياب الثقة كحجر أساس، وتشجيع الصراع الفكري البنّاء، وترسيخ الالتزام الجماعي، وتعزيز المساءلة المتبادلة، وصولا إلى توحيد التركيز على النتائج المشتركة، يمكن للفرق أن تتحول من مجرد مجموعة أفراد إلى كيان متماسك وفعال، إن تبني هذه المبادئ لا يقتصر على تحسين الأداء فحسب، بل يساهم في بناء ثقافة تنظيمية صحية تقدر الشفافية، والشجاعة، والالتزام بالهدف الأسمى، وكما أظهرت تجربة (كاثرين بيترسون) في قصة (DecisionTech)، فإن القيادة الواعية التي تفهم هذه الديناميكيات وتطبق الحلول المناسبة هي مفتاح تحويل الفرق من حالة الخلل إلى قمة الفاعلية والإنتاجية المستدامة.
اكتشاف المزيد من خالد الشريعة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
انشر رأيك أو تعليقك حول هذا الموضوع