الممارسات القيادية العشر لصناعة التفوق المستدام

الممارسات القيادية العشر لصناعة التفوق المستدام

خارطة طريق نحو التفوق المستدام

هذه التدوينة الرائعة تمثل خارطة طريق عملية ترشد القادة إلى كيفية تحويل القيادة إلى فلسفة تصنع التفوق المؤسسي المستدام.

المقدمة

القيادة لحظة وعي تتجاوز إدارة الجداول والميزانيات لتصبح فعلا يصوغ المستقبل ويترك أثرا ممتدا، كل قرار يتخذه القائد وكل قيمة يرسخها في فريقه يمكن أن تتحول إلى طاقة تدفع المنظمة نحو مستوى جديد من الإلهام والتأثير، هنا يبدأ جوهر القيادة الحقيقية؛ حيث تتحول المسؤولية إلى رسالة، والعمل اليومي إلى إرث طويل الأمد.

هذه التدوينة ترسم ملامح الممارسات القيادية العشر لصناعة التفوق المستدام كرحلة واعية نحو بناء منظمات أقوى وأكثر تأثيرا، وكل ممارسة هنا تتجاوز وصفها كخطوة تنظيمية، لتكون أداة فكرية وسلوكا عمليا يعيد تشكيل طريقة القيادة نفسها ويمنحها بعدا أعمق من إدارة الأهداف والخطط.

ما ستقرأه ليس وصفة سريعة ولا إطارا جامدا، بل دعوة لتجربة أفق مختلف في ممارسة القيادة، عشر ممارسات متكاملة ستلهمك لإعادة النظر في طريقة اتخاذ القرار، وبناء الفرق، وإدارة التغيير، حتى تصبح قيادتك قوة دافعة تصنع التفوق وتجعله واقعا مستمرا يتجاوز حدود اللحظة..

الممارسات القيادية العشرة التي تصنع التفوق المستدام

الممارسة الأولى: امتلاك الرؤية القيادية

الرؤية القيادية هي العبارة الحيّة التي تلهم الفريق وتوحّد مساره، وهي البوصلة التي توجه المنظمة نحو المستقبل وتمنح العمل معنى أعمق، إنها الطاقة التي تحفّز الأفراد وتربط جهودهم اليومية بغايات بعيدة المدى، والقائد الواعي يصوغ رؤية واضحة وملهمة تُشعل الحماس، وتمنح العاملين دافعا قويا للتفوق، وتجعلهم يشعرون بأن كل إنجاز يومي لبنة في بناء مستقبل أوسع ورسالة أسمى، ومن الأمثلة على ذلك، رؤية شركة تسلا: “تسريع انتقال العالم إلى الطاقة المستدامة”.

لبناء رؤية طموحة وواقعية معا، يبدأ القائد بتحليل واقع المنظمة وإمكاناتها وتحدياتها، ثم يتخيّل مستقبلها بعد خمس أو عشر سنوات، بحيث تكون الرؤية قصيرة، واضحة، وطموحة لكنها قابلة للتحقيق، وتعكس قيم المنظمة وثقافتها.

وبعد صياغة الرؤية، تأتي مهمة إيصالها بأسلوب مؤثر، هنا يُفضّل استخدام لغة بسيطة، مدعومة بالقصص والأمثلة، ليشعر كل موظف بأنه جزء من قصة أكبر، فبدلا من المصطلحات التقنية المعقدة، تُروى الرؤية كحلم مشترك يتطلّب مشاركة الجميع، فعلى سبيل المثال: إذا كانت الرؤية “بناء مجتمع صحي بلا أمراض مزمنة يمكن الوقاية منها”، يمكن للقائد أن يروي قصة مريض استفاد من برنامج توعية ليظهر أثر الرؤية في الواقع.

بعد الإيصال، تأتي خطوة التعزيز المستمر للرؤية حتى تصبح حاضرة في جميع تفاصيل العمل، حيث ينبغي على القائد أن يكرّر ذكرها في الاجتماعات والخطابات واللقاءات، وأن يربطها بالإنجازات اليومية والمشاريع الجارية، يمكن استخدام قنوات الاتصال الداخلي (البريد الإلكتروني، اللوحات الإعلانية، تطبيقات التواصل) لترسيخ حضورها، حيث يمكن للقائد مثلا افتتاح الاجتماع الدوري بسؤال مباشر: “كيف ساعد ما أنجزناه هذا الأسبوع في تحقيق رؤيتنا لتقديم رعاية صحية شاملة في متناول الجميع؟”

عندما تبنى الرؤية الملهمة، وتُوصَل بوضوح، ويُعمل على تعزيزها يوميا، تتحوّل إلى طاقة جماعية تدفع الموظفين لتقديم أفضل ما لديهم، عندئذ، سيدرك الفريق (سبب وجودهم) ويفهمون (لماذا يعملون)، وليس (ماذا يعملون) فقط، فيتحول الأداء إلى التزام شخصي، ما يرفع الإنتاجية، ويحفّز الابتكار، ويقود المنظمة إلى تفوق مؤسسي مستدام.

الممارسة الثانية: بناء الثقافة المؤسسية

إن الثقافة المؤسسية هي الجوهر الذي يوجّه سلوك المنظمة؛ فهي تحدد كيف يتصرف الموظفون وكيف تُتخذ القرارات على جميع المستويات، إنها مزيج من القيم والمعتقدات والسلوكيات التي تشكّل هوية المنظمة وتنعكس على كل جانب من جوانب عملها، بما في ذلك طريقة التفكير والتخطيط والتعامل، فمثال، نجد أن ثقافة شركة قوقل تركز على الابتكار والمرونة، مما جعل بيئة العمل فيها مصدرا للأفكار الثورية.

والقائد الذكي يقوم ببناء ثقافة مؤسسية داعمة ومعززة للتفوق، وعليه أن يعمل مع فريقه على صياغة القيم التي تمثل جوهر العمل مثل النزاهة، التعاون، الابتكار، المسؤولية، ويجب أن تكون هذه القيم واضحة ومترجمة إلى ممارسات عملية في الحياة اليومية للموظفين، فعلى سبيل المثال، غالبا ما تختار المنظمات غير الربحية قيمة (الشفافية) كقيمة أساسية فتُلزم نفسها بنشر تقاريرها المالية المفصلة وتقارير الأنشطة الشاملة بشكل سنوي

وعندما تركز توجهاتك لاختيار القيم المؤسسية، عليك عزيز القائد الملهم أن تكون النموذج الأول لسلوكيات المنظمة، وأمل من يطبق ويلتزم بهذه القيمة، فالموظفون يراقبون ما تفعله أكثر مما يسمعون ما تقوله؛ لذلك كن أول من يجسّد القيم في قراراتك وتعاملك مع الفريق، فإذا كانت (العدالة) قيمة محورية، على المدير أن يظهر حياده في حل النزاعات دون أي ميل أو انحياز.

ولتعزيز القيم المؤسسية المختارة، وتشكيل ثقافة مؤسسية داعمة ومحفزة، لا بد من تصميم نظام مكافآت وتقدير يشجع الموظفين الذين يطبقون القيم المؤسسية في عملهم وسلوكهم، ذلك أن الاعتراف العلني يعزز هذه السلوكيات ويدفع الآخرين للاقتداء بها، فعلى سبيل المثال، قم بمكافأة فريق التوظيف الذي اختار مرشحا على أساس الكفاءة رغم ضغوط العلاقات أو الوساطات.

وإلى جانب ما تقدم، لا بد لك عزيزي القائد أو المدير من التعامل بحزم وعدالة مع أي سلوك يتعارض مع القيم المؤسسية يثبت أن هذه القيم ليست شعارات بل معايير حقيقية للعمل من خلال تفعيل مبدأ المساءلة، فيمكنك عزيز المدير توجيه إنذار رسمي لموظف أساء استخدام موارد الشركة، مع توضيح أن السلوك يخالف قيمة (الأمانة).

وينتج عن الالتزام بالقيم بناء وترسيخ ثقافة مؤسسية قوية تخلق بيئة عمل إيجابية ومحفزة تقلل الحاجة إلى رقابة مشددة، وتبني ولاء الموظفين وانتماءهم للمنظمة، ومع مرور الوقت، تصبح الثقافة المؤسسية أداة قيادية صامتة تحرك الجميع نحو التميز ودون بذل أي مجهود سوى الرقابة غير الشاملة والتخلص من أية أسباب أو عوامل قد تؤدي إلى تهميش أو تهشيم القيم المؤسسية.

الممارسة الثالثة: تمكين ومشاركة الأفراد

التمكين هو منح الثقة والمسؤولية والموارد التي يحتاجها الموظفون ليكونوا جزءا فاعلا في صنع القرار، إنه انتقال من عقلية “المدير يقرر والموظف ينفذ” إلى نموذج تشاركي يستثمر ذكاء وخبرة كل فرد..


لكي تنجح في تمكين الموظفين، عليك عزيز المدير أن حدد بدقة ما يمكن للموظفين اتخاذ القرار فيه ضمن نطاق أعمالهم، ثم عليك أن تتراجع عن التدخل المفرط في أعمالهم، ودع لهم مساحة للتصرف، فعلى سبيل المثال، يمكن السماح لموظفي خدمة العملاء باتخاذ قرار تعويض العميل حتى 100 دولار دون الحاجة لموافقة المدير.

وعلى صعيد آخر، ومن أجل زيادة مشاركة أعضاء الفريق، عليك أن تبتكر قنوات تسهّل مشاركة الأفكار، مثل جلسات عصف ذهني دورية، لجان تحسين، صناديق اقتراحات إلكترونية، تحفز العاملين على مشاركة أفكارهم وتقديم الآراء والشكاوى والمقترحات دون خوف أو تردد، فمثلا، أنشأ أحد المصانع أنشأ “يوم الفكرة” حيث يقدّم الموظفون اقتراحاتهم لتحسين الإنتاج، وتم اعتماد 3 أفكار قللت الكثير من التكاليف وحققت المزيد من الأرباح مقابل ذلك.

ومن العوامل التي تساعد في تمكين الموظفين، هي أن تشرك الموظفين في البيانات المهمة (خطط، أرقام، أهداف)، حتى يدركوا الصورة الكاملة ويتمكنوا من اتخاذ قرارات مدروسة، مثل نشر تقرير شهري عن الأداء المالي للفروع، ليعرف فريق المبيعات كيف يساهم كل فرع في تحقيق الأهداف.

ولأن التمكين والمشاركة يمثلان ركيزة أساسية في الثقافة المؤسسية الفعّالة، يجدر بك – أيها المدير – أن تبدأ بإسناد مسؤوليات صغيرة أو محدودة للموظفين، ثم توسّع نطاقها تدريجيا مع إثبات كفاءتهم، هذا النهج يرفع مستوى مهاراتهم، ويعزز الثقة المتبادلة بينك وبينهم، ويرفع مستوى التزامهم ودافعيتهم نحو الإبداع والمبادرة، فيمكنك أن تبدأ بتكليف موظف بإدارة اجتماع صغير، ثم لاحقا منحه مسؤولية إدارة مشروع كامل.

عندما يتحقق التمكين وتترسخ ثقافة المشاركة، تتحوّل بيئة العمل إلى مساحة نابضة بالحيوية والثقة، ستجد أن الموظفين يشعرون بأنهم شركاء حقيقيون في صناعة القرار، فيتضاعف مستوى التزامهم، وتزداد رغبتهم في المبادرة والابتكار، هذه الروح التشاركية تدفعهم إلى تقديم أفكار جديدة، وحل المشكلات بطرق خلاقة، والمساهمة بوعي في تحقيق الأهداف، النتيجة النهائية هي أداء مؤسسي أكثر كفاءة، وفريق عمل أكثر ولاء، ومنظمة أكثر قدرة على التطور المستدام.

الممارسة الرابعة: الجودة والتحسين المستمر

الجودة رحلة دائمة من التطوير والتجديد، تتقدم بخطوات ثابتة نحو مستويات أفضل من الأداء، التحسين المستمر هو السعي الدائم لاكتشاف طرق أكثر كفاءة لإنجاز العمل، واستثمار الدروس المستخلصة من التجارب لبناء معرفة أعمق، وجعل التميز ممارسة يومية متجددة تعزز نجاح المنظمة يوما بعد يوم

فمثلا، تقوم (جمعية إطعام الخيرية) بتطبيق مبدأ التحسين المستمر عبر اجتماعات سريعة بعد كل حملة توزيع، حيث يناقش الفريق ما يمكن تطويره في التخطيط أو التوزيع، هذه المراجعات اليومية ساعدت الجمعية على تقليل الهدر الغذائي بنسبة ملحوظة وزيادة كفاءة إيصال الوجبات للأسر المستفيدة.

ولترسيخ هذا التوجه بشكل عملي، عليك – كمدير – اعتماد دورة التحسين المستمر (PDCA) التي توفر إطارا واضحا لترجمة فكرة التحسين إلى خطوات ملموسة:

  • خطط (Plan): حدد الأهداف بوضوح وضع المعايير والإجراءات اللازمة لتحقيقها.
  • نفّذ (Do): طبّق الخطة مبدئيا على نطاق محدود لاختبار جدواها.
  • تحقّق (Check): راقب النتائج بدقة وقارنها بالمعايير الموضوعة.
  • حسّن (Act): أجرِ التعديلات اللازمة، ثم عمّم الحل المُحسَّن على نطاق أوسع.

ومن الأمثلة عن ذلك، قيام مستشفى محلّي أعاد تنظيم مسار استقبال المرضى في قسم الطوارئ (Do)، وبعد القياس لاحظ انخفاضا في وقت انتظار المراجعين بنسبة 20% (Check)، فقام المستشفى باعتماد النظام الجديد وتعميمه على جميع الأقسام (Act).

عليك أيضا تحديد معايير دقيقة لكل عملية ومنتج وخدمة، وجعلها مفهومة للجميع، مع استخدام أدوات قياس الأداء لمراقبة الالتزام بهذه المعايير باستمرار، مثل وضع معيار “الرد على استفسارات العملاء خلال (24) ساعة” كحد أدنى لخدمة العملاء في بنك محلي..

عزيزي المدير، عليك أن تحول بيئة العمل في منظمتك إلى مساحة تشجّع الإبلاغ عن الأخطاء وتوثيق الملاحظات، ووجّه فريقك إلى التعامل معها كفرص للتحسين والتطوير، عندما يرى الموظفون أنك تدعم هذا النهج، سيزداد التزامهم بالمصارحة والشفافية، وإليك مثالا يدعم هذا النهج، حيث أنشأت إحدى شركات الطيران نظاما داخليا مكَّن الطيارين من الإبلاغ عن أي ملاحظات فنية بثقة، مما أدى إلى تحسينات كبيرة في إجراءات السلامة.

ولا تنسَ – عزيزي القائد الذكي – الاستثمار في التدريب المستمر لفريقك، عبر تزويدهم بأحدث الممارسات وأدوات الجودة، وتمكينهم من اكتساب المهارات اللازمة لتطبيق مفهوم التحسين المستمر بفاعلية، فإذا كنت تدير مصنعا للمواد الغذائية أرسل فريق الجودة كل عام إلى دورة أو ورشة عمل في مجال جودة الغذاء (ISO 22000) ليبقى الموظفون على اطلاع على أفضل ممارسات سلامة الغذاء.

باتباعك هذا النهج، ستقود منظمتك نحو مستوى جديد من المرونة والقدرة على مواجهة التحديات، سترى مستويات أداء متقدمة ترتقي بالمنظمة إلى موقع ريادي وتمنحها تفوقا مؤسسيا ملموسا أمام المنافسين، وتُرسّخ سمعتها كجهة موثوقة ومتميزة في نظر العملاء والشركاء، ما يجعلها معيارا يُحتذى به في مجالها..

الممارسة الخامسة: صناعة القرارات الذكية

في عصر البيانات الضخمة تزداد أهمية القرارات المبنية على الأرقام والتحليل العميق، فالقائد الفعّال أو المدير الذكي يجمع بين حكمة الخبرة وقوة البيانات ليحوّل عبارة (أعتقد أن) إلى (البيانات تؤكد أن)، مما يعزز دقة النتائج ويرفع كفاءة الأداء ويضع المنظمة على مسار التفوق المؤسسي، فعلى سبيل المثال، تبني شركة أمازون قراراتها التشغيلية واللوجستية على تحليل بيانات العملاء بدقة، فتتمكن من التنبؤ باحتياجاتهم قبل أن يطلبوها.

ابدأ عزيزي المدير بتطوير قاعدة بيانات متكاملة – لكافة العمليات الداخلية – تربط كل أقسام المنظمة (المالية، الموارد البشرية، المبيعات وغيرها) لتكون لديك صورة شاملة تساعدك في اتخاذ قرارات دقيقة، استثمر في أدوات تحليلية قادرة على تحويل الأرقام الخام إلى تصورات ورؤية عملية يمكن البناء عليها، فمثلا، اعتمدت إحدى المستشفيات لوحة بيانات (Dashboard) تعرض أعداد المرضى، أوقات الانتظار، ونسب استخدام الأسرة في الوقت الفعلي، مما مكّن الإدارة من اتخاذ قرارات تشغيلية فورية وتحسين تدفق العمل.

وعلى صعيد آخر، عليك اختيار مؤشرات أداء رئيسية (KPIs) ذكية، واضحة وقابلة للقياس، ترتبط مباشرة بأهدافك الاستراتيجية، وقم بالتقليل من المؤشرات الزائدة، وركّز على ما يخدم رؤيتك وأهدافك بشكل حقيقي وفعال من خلال نتائج ترشدك إلى اتخاذ القرارات السليمة، فمثلا، قام أحد المتاجر الإلكترونية باختصار المتابعة من (30) مؤشرا للمبيعات إلى ثلاثة مؤشرات فقط، هي: (متوسط قيمة الطلب، ومعدل التحويل، وتكلفة اكتساب العميل)، فحقق رؤية أوضح وأداء أفضل.

وعليك أيضا أن توازن بين البيانات وحدسك القيادي، فرغم قوة البيانات، تبقى الخبرة المهنية عنصرا جوهريا خاصة في القرارات العاجلة أو عندما تكون المعلومات غير مكتملة، فعلى سبل المثال، قرر مدير الطوارئ في إحدى البلديات إخلاء منطقة على الفور استنادا إلى بيانات الطقس وخبرته السابقة في إدارة أزمات مشابهة، وكان قراره صحيحا.

استثمر في أدوات التحليل التنبؤي (Predictive Analytics) التي تستخدم البيانات التاريخية لاستشراف المستقبل، فهذه الأدوات تساعدك على اتخاذ قرارات استباقية تحرك المنظمة نحو الفرص بدلا من الاكتفاء برد الفعل عند وقوع التحديات.

باتباعك هذا النهج، ستبني ثقافة قرارات ذكية تعتمد على المعرفة والتحليل، لا على التخمين، وستجد أن النتائج تصبح أكثر استقرارا وقابلة للتنبؤ، وتنخفض الأخطاء المكلفة، وتزداد ثقة فريقك وشركائك في قدرتك على القيادة، وهكذا تقود منظمتك نحو تفوق مؤسسي مستدام يمكّنها من التوسع بثقة والريادة في مجالها.

الممارسة السادسة: قيادة التحول والتغيير

القائد الذكي يقود التغيير ولا ينتظره، لذا، عليك أن ترصد بوادره مبكرا، وأن تستعد له مسبقا بمتابعة التطورات في السوق والتقنية والأنظمة، هذا الاستشراف يمنحك القدرة على توجيه التغيير والتحكم في مساره ليخدم أهداف منظمتك ويعزز قدرتها على التفوق، مثل قيام أحد البنوك المحلية باستشراف التحولات التقنية مبكرا، فبدأ مشروع تحول رقمي قبل منافسيه بخطة مدروسة، بحيث حافظ على بقائه في المقدمة بين منافسيه،

أشرك موظفيك – عزيزي المدير – في رحلة التغيير منذ لحظاتها الأولى؛ استمع بعناية إلى مخاوفهم واقتراحاتهم، وامنحهم مساحة حقيقية للمساهمة في صياغة خطة التحول، إن إشراك الفريق في بناء التغيير يعزز شعورهم بالملكية ويحولهم إلى داعمين متحمسين لنجاحه، فعلى سبيل المثال، أطلق أحد البنوك المحلية نظاما تقنيا جديدا بعد تنظيم ورش عمل مع الموظفين لجمع آرائهم وملاحظاتهم، فكانت النتيجة انخفاض مستوى المقاومة وارتفاع ملحوظ في الحماس نحو التطبيق..

احرص كذلك على التواصل الشفاف والمستمر، وقم بتوضيح أسباب التغيير وفوائده والمكاسب المتوقعة، وأجب عن الأسئلة بصراحة، ستجد أن الشفافية هنا تعزز الثقة وتحوّل القلق إلى دعم قوي لمشروع التغيير، ومن الأمثلة على هذه الممارسة الفرعية مواجهة شركة أدوية لشائعة عن تسريح موظفين أثناء التحول، فقام المدير التنفيذي ببيان رسمي يوضح خطة الشركة وطمأن الفريق وأثبت عدم صحة الشائعة.

وفي هذا السياق أيضا، قم بتقسيم التغيير الكبير إلى خطوات صغيرة قابلة للتنفيذ ولإدارة، فهذا النهج يجعل العملية أكثر سلاسة ويتيح الاحتفال بكل إنجاز لتعزيز الزخم والحماس للمراحل التالية، فمثلا، بدأت إحدى المتشفيات برقمنة سجلاتها في أقسام محددة أولا، ثم توسعت الرقمنة تدريجيا حتى تم التطبيق الكامل، وشملت الرقمنة كافة العمليات والأنشطة دون تعطيل سير العمل.

وإزاء كل هذه الأعمال، لا تنس أن تدعم من يتأثرون بالتغيير ورافقهم في رحلتهم، ووفر التدريب والدعم النفسي والعملي لهم، وأنشئ شبكة من (سفراء التغيير) من الموظفين الذين يؤمنون بالفكرة؛ ليساعدوا زملاءهم على التكيف وتشجيعهم على خوض التجربة بثقة وثبات، وفي هذا الإطار، قامت إحدى شركات الاتصالات بتعيين (قادة تغيير) في كل إدارة لدعم الموظفين وتدريبهم على النظام الجديد.

باتباعك هذا النهج، ستقود التغيير لا أن تلاحقه، وستصبح منظمتك أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع متطلبات السوق، وستحافظ على موقعها التنافسي، وتحول التحديات إلى فرص للنمو والابتكار، مما يمنحها تفوقا مؤسسيا مستداما.

الممارسة السابعة: صناعة قادة جدد

ابدأ – عزيزي المدير – بتحديد الكفاءات الأساسية التي تحتاجها منظمتك اليوم وفي المستقبل، ثم قيّم مواهب فريقك الحالي لتكتشف الفجوات والإمكانات غير المستثمرة بعد، هذا التحليل يمهّد الطريق لخطط تطوير مدروسة تسد النقص وتبني قاعدة صلبة من القيادات الصاعدة.

ابتكر برامج تطوير شاملة تتنوع بين التدريب الفني، وتنمية المهارات القيادية، وبرامج الإرشاد، والتعلّم العملي عبر مشاريع تنطوي على التحدي، وتصقل القدرات القيادية، فعلى سبيل المثال، أطلق أحد البنوك (برنامج قادة المستقبل) الذي جمع بين التدريب على المهارات القيادية والمشاريع ميدانية لإعداد مديري الفروع الجدد.

ولتحقيق ذلك، اعمل مع موظفيك على صياغة خطط تطوير مهنية فردية، تحدد الأهداف والخطوات المطلوبة والدعم الذي ستقدمه المنظمة، فهذا الحوار الواضح يعزز التزام الموظف بمساره ويجعل أهدافه جزءا من استراتيجية المؤسسة، ففي هذا النطاق، منحت إحدى شركات الطيران موظف خدمة العملاء خطة واضحة للترقي إلى مشرف صالة خلال ثلاث سنوات، مدعومة بتدريب مستمر.

وإلى جانب ذلك، اجعل التعلم المستمر جزءا من ثقافة منظمتك، وشجّع الموظفين على تجربة طرق جديدة واكتساب مهارات إضافية، ووفّر لهم الوقت والموارد اللازمة لذلك، حتى يتحوّل التعلّم إلى عادة مؤسسية يومية، فعلى سبيل المثال، خصصت إحدى الشركات الاستشارية (ساعة تعلم) أسبوعيا لكل موظف لاستكشاف موضوع جديد أو متابعة دورة تدريبية.

وإزاء كل هذه الممارسات، لا تهمل وضع مؤشرات أداء لقياس أثر برامج التطوير، سواء على الأفراد (مثل نسب الترقيات وتحسن الأداء وارتفاع الولاء) أو على المؤسسة (مثل زيادة الإنتاجية وتقليل معدل دوران الموظفين)، واستخدم هذه البيانات لتحسين البرامج باستمرار ولضمان فعاليتها، فمثلا، لاحظت إحدى الجمعيات الخيرية انخفاض معدل مغادرة المتطوعين بنسبة (40%) بعد قياس أثر برامج التدريب والتطوير وإجراء التحسينات المدروسة عليها.

عندما تستثمر في بناء الكفاءات، فأنت تصنع إرثا قياديا طويل الأمد، إنك تنشئ قوة عمل ماهرة ووفية، وتؤسس لجيل جديد من القادة يحمل رؤيتك ويطوّرها، وهذا الاستثمار يجعل منظمتك جاذبة للمواهب، ويمنحها ميزة تنافسية واستدامة تمتد لعقود قادمة.

الممارسة الثامنة: التحالفات والشراكات الذكية

القائد الذكي لا يرى التحالفات كخيار ثانوي، بل كأداة استراتيجية لتوسيع إمكانات المنظمة وتعزيز قوتها التنافسية، ابحث – أيها القائد – عن شركاء تتحالف معهم بذكاء؛ يتقاطعون معك في القيم والرؤية، ويضيفون قدرات وخبرات تكميلية تفتح آفاقا جديدة أمام منظمتك، فالتحالف الذكي يبنى على التكامل الذي يصنع قيمة مضافة، لا على التماثل الذي يكرر الموجود، ومن أمثلة ذلك ما قامت به إحدى ا لجمعية الصحية بإبرام تحالف مع جامعة محلية لإجراء أبحاث طبية؛ قدمت الجمعية خبرتها الميدانية، بينما وفرت الجامعة الدعم البحثي والمعرفة الأكاديمية.

أما عن كيفية البدايات، فإنني أنصحت أن تبدأ بتحالفات صغيرة ومدروسة لاختبار الانسجام، ثم توسّع تدريجيا إلى تعاون أعمق وأكثر استراتيجية، هذه البداية الحذرة تبني الثقة وتكشف مدى انسجام قيم وأهداف الشريك مع منظمتك، فمثلا، بدأ أحد المتاجر الإلكترونية بتحالف تجريبي مع شركة توصيل محلية في مدينة واحدة، ثم توسع نطاق التحالف أو الشراكة لاحقا ليغطي جميع أنحاء الدولة.

وعند التوجه لخيار التحالف، ضع إطارا واضحا لكل تحالف منذ اليوم الأول، حدد الأهداف المشتركة بدقة، وزّع المسؤوليات، واتفق على معايير قياس الأداء وآليات حل الخلافات، فالتحالفات الذكية تبنى على الوضوح الذي يجنب كل الأطراف ويحميها من سوء الفهم ويضمن استقرارها طويل المدى، يمكن أن يتجلى ذلك بوضع آليات وسياسات للتحالفات والشركات، وإجراء تقييم للانسجام والتوافق قبل إبرام الاتفاقيات والتحالفات.

أما من حيث الموارد، فعليك أن تعيين فريق مؤهل لإدارة هذه التحالفات، إذن يجب تحديد ممثلين أو مندوبين ينسقون الجهود، ويؤسسون قنوات تواصل مستمرة (اجتماعات، تقارير، لجان مشتركة)، أيضا عليك بناء علاقات شخصية مع قادة ومؤثري الشركاء، فالتحالف الذكي ليس مجرد توقيع اتفاقية، بل إدارة واعية لعلاقة استراتيجية، ففي إحدى شركات السيارات، كان هناك مدير تحالفات، يتابع أسبوعيا أداء الموردين ويجتمع دوريا مع مديريهم التنفيذيين لتقوية الروابط وضمان فاعلية التعاون.

لا تدع هذه التحالفات بعيدة عن التقييم والمراجعة، عليك عزيزي المدير الذكي أن تراجع تحالفاتك بشكل دوري، وأن تقيس النتائج، وتبحث عن فرص لتحسين التعاون أو توسيعه، ولا تتردد في تعديل الاتفاقيات لتواكب التغيرات وتحقق أفضل المكاسب للطرفين، وفي هذا الإطار، بدأت إحدى المؤسسات التعليمة تحالفها مع شركة تقنية متخصصة بتوفير أجهزة لوحية للطلاب، ثم طورت التعاون إلى إنشاء منصة تعليمية رقمية مشتركة تخدم آلاف المستفيدين.

باتباعك نهج التحالفات الذكية، ستفتح أمام منظمتك أبوابا للنمو والابتكار لا يمكن بلوغها بمجهود فردي، وستصل إلى موارد وخبرات وأسواق جديدة، وتوفّر على منظمتك تكاليف بناء قدرات من الصفر، وتكتسب ميزة تنافسية مستدامة تصنع تفوقا حقيقيا وترسّخ موقعك الريادي لسنوات قادمة.

الممارسة التاسعة: العدالة والنزاهة والشفافية

النزاهة والعدالة تشكّلان جوهر القيادة الرشيدة، وعندما يقود القائد بمنظومة قيم راسخة، تتحول النزاهة إلى بوصلة ترشد القرارات، وتغدو العدالة الميزان الذي توزن به جميع التفاصيل، بهذا النهج، تتعزز الثقة وتنمو ثقافة مؤسسية يتعامل فيها الأفراد مع بعضهم ومع المنظمة بوعي ومسؤولية مشتركة..

بصفتك قائدا، صمّم نظام تقييم واضح وشفاف يعتمد على الموضوعية ويركّز على التميز، اجعل التقييم مبنيا على الإنجازات الفعلية والنتائج القابلة للقياس، وحدّد معايير بسيطة ومفهومة يلتزم بها الجميع وتطبق بشكل ثابت في كل المستويات، فعلى سبيل المثال، أنشأت إحدى الشركات الدولية نظام تقييم سنوي يعتمد على مؤشرات أداء رئيسية (KPIs) يطلع عليها كل موظف، مما عزز الشفافية وشجّع الموظفين على تحسين أدائهم باستمرار.

اجعل الاستماع وسيلتك الأولى لتحقيق العدالة، عندما تظهر الخلافات أو الشكاوى، أعطِ كل طرف فرصة كاملة لعرض وجهة نظره، واجمع الحقائق من جميع الجوانب قبل اتخاذ أي قرار، فالعدالة الحقيقية تبدأ من الإصغاء بعناية قبل الحكم، ومن الأمثلة على ذلك، قيام مدير مدرسة بتنظيم جلسة استماع حول شكوى سلوك بين أحد الطلاب ومعلمه، دعا فيها الطالب والمعلم وولي الأمر، واستمع لكل طرف بإنصات كامل قبل أن يقرر أسلوب المعالجة المناسب، مما عزز شعور الجميع بالإنصاف والاحترام.

بصفتك مديرا أو قائدا، عليك تكريس مبدأ المساواة الكاملة في المعاملة بلا أي استثناء، عندما يلتزم الجميع بالمعايير ذاتها (من أعلى المناصب إلى أبسط الوظائف) تتحوّل العدالة من مجرد شعار إلى ممارسة يومية متجسدة في كل قرار وإجراء، في هذا السياق، أنهت جمعية خيرية خدمات موظف قيادي خالف سياسات الصرف المالي، تماما كما فعلت مع موظف مبتدئ في الموقف ذاته، لترسّخ قناعة عملية بأن (الأنظمة تسري على الجميع بلا تمييز)

أما من ناحية الشفافية فعليك أن تجعلها نهجا ثابتا في قراراتك، وعليك أن توضّح الدوافع والمعايير التي بنيت عليها كل قرار، خاصة ما يتعلق بالترقيات والمكافآت والتقييمات، فعندما يفهم الموظفون الأسس التي تقوم عليها قراراتك، ستزدهر الثقة وتتعزز، ويتلاشى أي مجال للشك أو التأويل، ومثال على هذا الشأن أصدرت إحدى الشركات وثيقة شاملة تشرح بدقة معايير الترقيات المبنية على (الأداء، سنوات الخبرة، والدورات التدريبية وغيرها) ووزّعتها على جميع الموظفين لضمان الوضوح الكامل.

ولتعزيز العدالة والنزاهة والشفافية، أنشئ قنوات آمنة وسرية للتظلمات والشكاوى، بحيث يشعر كل موظف أن صوته مسموع وأن قضيته ستُراجع بموضوعية وإنصاف، أيضا فإن وجود آلية عادلة ومحايدة لا يحمي الأفراد فحسب، بل يعزز الثقة المتبادلة بينك كقائد وبين فريقك، فمثلا أنشأت إحدى الجامعات (لجنة مظالم مستقلة) يستطيع الطلاب والموظفون اللجوء إليها بثقة تامة لضمان الحياد في معالجة النزاعات.

حين تغرس النزاهة والعدالة في صميم قيادتك، فإنك ترتقي بدورك من إدارة منظمة إلى صناعة إرث قيادي باقٍ، وتتحول قراراتك إلى مرآة للشفافية، فيشعر الجميع بأن حقوقهم مصانة وأن معايير الإنصاف هي القانون الذي يحكم كل التفاصيل، وفي هذه البيئة، تتلاشى مظاهر الشكوى والتذمر؛ لتحل محلها طاقة الإنجاز والإبداع، ويصبح العمل التزاما حقيقيا لا مجرد واجب يومي، ومع مرور الوقت، تنمو منظمتك لتغدو نموذجا ملهما؛ مؤسسة يبني موظفوها عليها ثقتهم، ويمنحها شركاؤها احترامهم، ويجد منافسوها صعوبة في مجاراتها، لأنها تأسست على قيمتين ثابتتين لا تهتزّان: العدالة والنزاهة..

الممارسة العاشرة: الابتكار والاستشراف المبكر

كيف تصنع المستقبل قبل أن يصل؟

القائد الذي يصنع المستقبل لا ينتظره ليفرض نفسه، بل يبنيه بوعي ويقوده بجرأة، لذا، عليك – عزيزي القائد – أن تجعل الابتكار جزءا من نسيج منظمتك، وازرع ثقافة تحتفي بالأفكار غير المألوفة، وتمنح العاملين مساحة لطرح تصوراتهم الجريئة وتجريب حلولهم الإبداعية، خصص وقتا وموارد للبحث والتطوير، واحتفل بالمحاولات الطموحة حتى لو لم تُثمر فورا؛ فكل تجربة هي خطوة في رحلة الاكتشاف، فمثلا، تمنح شركة قوقل موظفيها 20% من وقتهم لمشاريعهم الإبداعية الخاصة، ومن هذا الوقت خرجت منتجات أحدثت ثورة مثل (Gmail وGoogle Maps).

وعلى صعيد آخر، عليك أن تبقى متيقظا لنبض العالم، عليك أن تتابع أحدث التطورات التكنولوجية في مجالك وخارجه، واستثمر بذكاء في التقنيات الناشئة التي يمكن أن تغيّر طريقة عملك، حتى لو كانت في بداياتها، فمثلا، استثمر أحد البنوك مبكرا في تقنيات البلوك تشين قبل أن تصبح شائعة، فحجز لنفسه موقعا رياديا في حلول الدفع الرقمية.

ولتنجح في استشراف المستقبل، عليك تشكيل فرق عمل متخصصة للاستشراف، نعم، قم بإنشاء وحدات أو مجالس تفكر في (ما بعد الأفق)، تدرس التوجهات العالمية وتحلل السيناريوهات المستقبلية، واجعل هذه الفرق متعددة الخلفيات لضمان زوايا نظر مختلفة تصنع رؤية أكثر شمولا، وفي هذا السياق، قامت إحدى الشركات بتشكيل (مجلس استشراف) يضم خبراء في التقنية والبيئة والاقتصاد للتخطيط لعصر المركبات ذاتية القيادة.

ولأن العلم والمعرفة هما أساس عبور المستقبل، عليك أن الابتكار بالعلم والمعرفة، وهذا الأمر يتطلب منك التعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث لاستثمار أحدث الدراسات والاستفادة منها، وأيضا بإمكانك أن تساهم في تمويل الأبحاث التي تصنع الفارق في مجالك، ومن الأمثلة على ذلك، تحالف إحدى المستشفيات مع جامعة طبية لإجراء أبحاث في العلاج الجيني، مما سمح له بتقديم خدمات متقدمة قبل غيره.

كل تلك الأمور السابقة، تتطلب منك أن تصمّم منظمتك لتكون مرنة قادرة على استيعاب التغيير والابتكار والمستقبل، اجعل بنيتك الإدارية وعملياتك قابلة للتكيّف مع التغيرات السريعة، وتخلص من أي جمود في الهياكل أو الإجراءات التي قد تعيق قدرتك على اغتنام الفرص.

ولأن الابتكار بحاجة للمواهب والمبدعين، أصبح من الواجب عليك أن تستقطب المواهب المبدعة أولا، ثم عليك أن تمنحهم الحرية والأمان، أيضا على استقطاب الأشخاص القادرين على التفكير بطرق غير تقليدية والنظر إلى التحديات من زوايا جديدة، ووفّر لهم بيئة تدعم التجريب والمجازفة الذكية، وفي هذا الشأن جمعت إحدى شركات التصميم فنانين ومبرمجين ومصممين صناعيين في فريق واحد، فابتكروا منتجات جديدة مبهرة وغير مسبوقة…

وفي نهاية المطاف، فإن المنظمة التي تحتضن الابتكار وتمارس الاستشراف تتحول إلى قوة تغيير، لا تنتظر المستقبل بل تصنعه، وتسبق منافسيها بخطوات، وتبني سمعة تلهم الآخرين وتضعها في مركز الريادة، هذا النهج لا يحافظ على استمرارية المنظمة فحسب، بل يمنحها القدرة على أن تكون المحرك الذي يعيد تشكيل واقعها وصناعة غدها..

الخلاصة

تشكل الممارسات القيادية العشر التي تعرضنا لها في هذه التدوينة الرائعة.، إطارا متكاملا يقود المنظمة نحو التفوق المؤسسي والاستدامة، فهي ليست عناصر منفصلة، بل منظومة مترابطة يدعم كل جزء منها الآخر ليبني معا نموذجا قياديا شاملا:

  • المجموعة الأولى – بناء الأساس: الرؤية الملهمة، الثقافة القوية، التمكين، والجودة، وهي الركائز التي تُرسّخ هوية المنظمة وتمكّنها من الانطلاق بثبات.
  • المجموعة الثانية – تطوير القدرات: القرارات المستندة إلى البيانات، إدارة التغيير، الاستثمار في الكفاءات، والتحالفات الذكية، وهي الأدوات التي توسّع إمكانات المنظمة وتفتح أمامها آفاقا جديدة للنمو.
  • المجموعة الثالثة – ضمان الاستدامة: النزاهة والعدالة، والابتكار والاستشراف، وهما القاعدتان اللتان تمنحان المنظمة القدرة على قيادة المستقبل بثقة وتصنعان إرثا طويل الأمد.

رحلة التطبيق

تطبيق هذه الممارسات ليس مبادرة عابرة، بل رحلة تطوير مؤسسي مستمرة تتطلب التزاما قياديا طويل الأمد، نجاحها يعتمد على:

  1. الصبر والمثابرة: التحولات العميقة في الثقافة والسلوك لا تحدث بين ليلة وضحاها؛ بل تحتاج إلى استثمار مدروس وزمن كافٍ لترسيخها.
  2. المرونة والتكيّف: كل منظمة لها بيئتها وسياقها الخاص؛ وتطبيق هذه الممارسات يتطلب تكييفها مع الواقع المحلي دون فقدان جوهرها.
  3. التعلم المستمر: القيادة ليست صفة ثابتة، بل مهارة ديناميكية؛ والقائد الفعّال يبقى في حالة بحث دائم عن المعرفة وينمّي نفسه باستمرار ليقود الآخرين نحو الأفضل.

الإرث القيادي

القائد الذي يتقن هذه الممارسات لا يحقق نتائج آنية فحسب، بل يصنع إرثا قياديا يتجاوز فترة وجوده على رأس المنظمة، ويترك أثرا طويل المدى يتجلى في:

  • منظمة مستدامة: تستمر في التفوق حتى مع تغيّر القيادات والظروف.
  • جيل من القادة الجدد: يحملون الرؤية ويطوّرونها ليقودوا المنظمة إلى مستويات أعلى.
  • أثر مجتمعي عميق: يعزز التنمية، ويرفع من وعي المجتمع، ويخدم الصالح العام.
  • نموذج إلهام: يدفع منظمات أخرى إلى تبنّي ممارسات قيادية ترفع معايير الأداء والحوكمة والمسؤولية.

الرسالة الأخيرة

هذه الممارسات العشر ليست مجرد أدوات إدارية أو توصيات تشغيلية، بل هي فلسفة متكاملة للقيادة، إنها تنقل الإدارة من كونها أداء وظيفيا إلى أن تصبح رسالة سامية، وتجعل الإنجازات أعمق من مجرد أرقام في التقارير، إذ تمنح المنظمة أثرا ممتدا في المجتمع والعالم، وتحوّلها من متلقٍ للتغيير إلى صانعة للمستقبل.


اكتشاف المزيد من خالد الشريعة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

انشر رأيك أو تعليقك حول هذا الموضوع

ابدأ مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑