الدكان، هو المحل التجاري الصغير، الذي يبيع أهل القرى احتياجاتهم البسيطة، وكانت الدكاكين في مجملها صغيرة، تتكون من غرفة واحدة، وقليل منها ما كان يزيد عن ذلك.
كانت الدكاكين بمثابة استراحة للرجال خاصة في المواسم التي لا يوجد بها أعمال زراعية، فقد كان الرجال يتواجدون على أبواب الدكاكين لساعات طويلة، يتجاذبون بها أطرف الحديث، وكان بعضهم يلعب بعض الألعاب الشعبية آنذاك، مثل المنقلة، وهو قطعة خشبية محفور بها نحو (14) حفرة صغيرة (جرن) ويتقاسم اللاعبان بذور حبات النبق الصلبة، ويبدأن اللعب حسب القوانين المعروفة لهذه اللعبة.. وكان الدكان مصدرا مهما لتناقل الأخبار بالقرى، ومعرفة أخبار الناس وأحوالهم، ومنطلقا للطلعات، ومكانا للالتقاء.


كانت الساحة التي أمام الدكاكين مليئة بأغطية البيبسي، حيث يمر الفرد ويشتري قارورة بيبسي أو ميرندا، ويلقي غطاءها المشعب خارج الدكان، وكانت القوارير آن ذاك ذات استخدام متعدد، أي عليك إعادة القارورة إلى الدكان لاستبدالها بقوارير مملوءة..
كانت بعض كراسي الدكاكين مكونة من مجموعة من كراتين البيض مجمعة فوق بعضها البعض لتكون جسما مكعبا بأبعاد كرتونة البيض. وكانت كراسي أخرى مكونة أنابيب حديدية مثبتة مع بعضها البعض، ومن الأعلى حبال هي حبال نشر الغسيل تربط بين أطراف المواسير من الجهة العلوية، وكان يسمى هذا الكرسي بكرسي المرس.

وهناك نوع آخر وهو قطع حجرية كبيرة بحجم نصف متر تقريبا بغض النظر عن الشكل ووجدت أيضا مقاعد على شكل ركن أسمنتي طولي للجلوس ويجلس عليه عدة أشخاص.
كانت الدكان تحتوي عددا محدودا من الخيارات للزبائن.. ففي مجال المكسرات، كان الفستق ذو القشور هو الرقم واحد، كان سعر الكيس يعادل نصف دولار حاليا، وفيه أكثر من (2) كغم، ومن المكسرات الأخرى كانت تباع بذور البطيخ المملح المحلية، ثم بدأ الاستيراد لأنواع أخرى، وكان هناك أيضا بذور القرع وهو ذو اللون الأبيض، مالح الطعم، إضافة إلى القضامة، ولم تكن هناك أنواع أخرى..

وأما الحلويات، فقد كان باكيت ناشد إخوان يعتبر الصنف الأول، إلى جانب شوكولا سلفانا مترو، وكان هذان النوعان بمثابة الهدية الأولى عند الزيارات، إلى جانب سفط الراحة (الحلقوم) الذي كان حجم السفط منه بطول وعرض (15) سم وارتفاع نحو (3) سم، ويشتمل على طبقتين من الراحة، وكانت ذات ألوان متعددة ومغطاة بالسكر الناعم..
ومن الحلويات الأخرى الخاص بالأطفال كان الملبس وهو حلو مكون من السكر مع قليل من الصبغة ويكون صلب جدا، إلا أن ما يميزه أن هذه الملبسات تكون على شكل حبل أو سلسلة طويلة، يقوم التاجر بتعليقها على حبل لتأخذ شكلا من أشكال الزينة للدكان… وهناك أيضا المصاص، وهي قطعة حولة دائرية الشكل بقطر (3) سم وسماكة (3) ملم ومتصلة بعود، وتكون مغلفة..

ومن الأشياء التي كانت متوفرة في دكان ذلك الزمان علبة أعواد الثقاب، وكانت ذات النجم الثلاث هي الأكثر انتشارا والأكثر جودة من ذات الثلاث تيجان.. ويرافق ذلك عدد من زجاج البلور (بنورة) للمصباح إضافة إلى القاعدة قاعدة المصباح التي تملأ بالكاز، وأيضا الفتيلة والرأس النحاسي أو المعدني الذي يصل بين القاعدة والبنورة، وتتوسطة الفتيلة المنقوعة بالكاز والتي تنتهي بشعلة في جوف البنورة، وإلى جانب ذلك، كان يتوفر (الكهرب، أو البيل) وهو جهاز الإضاءة المعدني ماركة النمر له بطاريتنا، ويتوفر له بطاريات بحجم كبير فقط، وكان نوع البطارية (بيريك) وكذلك اللمبة الصغيرة.. وظهر في ما بعد نوع آخر ذو جودة أقل ومصنوع من البلاستيك بألوان مختلفة.





بالنسبة للحبوب، فلم تكن معظم الدكاكين تبيع أي منها، لأن ابتياعها كان مباشرة من المزارعين في أغلب الأوقات، أو يذهب الفلاح إلى المدينة لشراء مونته من الحبوب، أما المواد التموينية الأساسية التي كانت متوفرة فهي السكر والأرز، وكان يباع بالكيلو بأكياس ورقية، ويبقى المحتوى بالكيس حتى بيع كامل الكمية، وكان البعض يضعه في (برميل) خشبي لحمايته من الرطوبة أو التلف، وعند البيع كان يوضع بكيس ورقي، يتسع أكبرها لنحو (10) كغم، وله عدة قياسات أدنى من ذلك..
أما المعلبات، فكانت تقتصر على الفول والحمص بنوع محدد يأخذ الرمز FF وعلب تونة الوردة والسردين المغربي ميلو وعلب اللحمة البقرية الحمراء التي عليها صورة بقرة.
في الدكان القديم لم تكن متوفرة أي مادة من الورق الصحي باستثناء مناديل الجيب (فاين) والعبوات ذات المائة منديل من نفس الصنف، ولم يكن هناك أنواع ولا أشكال أخرى، حتى فوط الأطفال لم تكن متوفرة.
من الأشياء الأساسية لنجاح أي دكان والاستمرار في العمل هو وجود دفتر الديون، هذا الدفتر المسطر والذي يكون عادة مكون من (96) صفحة هو السجل الحقيقي للديون لصالح الدكان، وفيه تعرف من هم أكثر الأشخاص مديونية لها، ومن هم ليسوا بحاجة للجوء للشراء بالدين.. ويقوم صاحب الدكان بتسجيل كل المواد المشتراة بالدين، من خلال تسجيل التاريخ والمبلغ والمواد إضافة إلى اسم الشخص الذي استلم السلع.
كانت جميع الدكاكين ذات باب بعرض متر واحد، وكان معظم هذه الأبواب مطلي باللون الأزرق أو الأخضر بدرجاتهما المختلفة، بعضها بضرفة واحدة وبعضها بضرفتين أي شقين للباب.. وكان الدكان يتكون من غرفة واحدة بمساحة (4 × 4) متر وكان لبعض الدكاكين باب خلفي يتصل بمنزل صاحب الدكان، وبعضها بباب وحيد..
كانت أشهر الدكاكين دكان الحاج تركي الشرع في بداية السبيعينيات وأقفلت في نهاية ذات العقد، وهناك أيضا دكان أبو عباس ودكان عبد اللطيف ومحمد البريك ومحمد العماوي ودكان أبو عوض ودكان الشركة ودكان عيسى القسيم.
وكانت بعض الدكاكين تبيع الدجاج الحي أو المذبوح دون تنظيف مثل دكان أبو عباس ودكان عيسى القسيم وغيرها، وقد دخلت نتافات الدجاج بعد وصول الكهرباء للبلدة في عام 1978م أما مادة الغاز فقد دخلت لأول مرة بحلول بداية الثمانينات من خلال محل غاز الشعب (السلحب) الذي اشترته في ما بعد دكان أبو عباس، ثم بدأ محمد العماوي أيضا ببيع الغاز.. (جميع هذه الأسماء في ذمة الله، عليهم جميعا رحمة الله تعالى).


أما مواد التنظيف فحدث ولا حرج.. كان (السيرف) هو مادة التنظيف الأساسية للملابس عموما ثم بدأ بالانتشار أيضا الشاين، وكان الصابون الأخضر يستعمل لنفس الغاية علما أنه زال حتى الآن بنفس الشكل، وأما غسل الشعر والوجه واليدين، فكان صابون المفتاحين النابلسي هو ملك الصابون، وما زال البعض يستعمله، ومع ذلك كان هناك من الأهالي يصنعون الصابون من فضلات زيت الزيتون، ويتم تشكيله على شكل كرات متوسطة الحجم، وكانت تستعمل مع تنظيم الملابس البيضاء مادة (النيلة) وهي صبغة زرقاء خفيفة تزيد الملابس البيضاء نصوعا.. ولم تكن أنواع الشامبوهات منتشرة آنذاك.. وكان يستعمل في الجلي أي تنظيف الصحون ليفة إسفنج صناعي مع قطة ليف معدنية (خريص) ويوضع وعائين، أحدهما فيه مواد التنظيف والآخر لإزالة بقايا الصابون عن الأدوات التي تم تنظيفها.. أما غسيل الملابس فقد كان يدويا حتى عام 1978 حيث بدأ الناس باستخدام الغسالة الكهربائية.


وكان الدكان يبيع أيضا بعض الفواكه والخضار، حيث يستحدث مكانا خاصا لها، غالبا ما يكون في وسط الدكان، ليكون ركنا خاصا بالخضار والفواكه، ويقسمه إلى عدة أقسام لكل صنف قسم خاص..
في صدر الدكان وعلى الرفوف العلوية، كنا نجد أطقم الهدايا، وهي أطقم كاسات وأكواب زجاجية تستخدم للعصائر والمشروبات الباردة عموما، وكانت رخيصة الثمن، متدنية الجودة، وقليل منها ذو جودة مقبولة، وكان كل طقم يتكون من (6) أكواب وشربة بسعة (2 – 3) لتر، وكان تستخدم في أكثر الأحيان للماء.. وفي مكان ماء من الدكان ستجد أطقم كاسات الشاي ذات الصناعة الفرنسية، التي تسمى كاسات الجرس، وهو متسعة من الأعلى ضيقة من الأسفل قليلا، وكانت ذات جودة عالية، قلما تنكسر.. وأما في مستودع الدكان الخلفي فإنك ستجد (البوري) وهو الأنبوب الذي ينقل الدخان من الصوبات (المدافئ) إلى الخارج، لكن الصوبة السورية لم تكن تباع في الدكان، فكان الناس يذهبون إلى المدينة لإحضار صوبة الكاز السورية ذان الخزان الكروي الذي يثبت على أحد جوانبها.
وعلى باب الدكان الذي يطل مباشرة على الشارع.. كان الشباب يتجمعون مساء قبل وبعد الغروب، وكانوا يتشاحنون ويتطاحنون في التحديات، فمنهم من يتحدى الآخرين بشرب صندوق من المشروبات الغازية (بيبسي) أو أكل عدد من حبات الكوسا غير المطبوخ، أو البطاطا، ووصلت إلى أن تكلفة التحدي تكون على نفقة الخاسر، وكان من بين الأشياء محل التحدي أيضا، أن يأكل صدر (طبق) هريسة كاملا، أو أن (يشرق) بيضة، أو أن يكسر بيضة بالضغط على طرفيها ببطن يديه، وكذلك تصل إلى من يستطيع أن يستفز شخصا معينا، وكانت هناك تحديات أخرى متعلقة بحمل الأوزان وأكياس السكر أو الأرز بيد واحدة أو بالأسنان أو رفعها ووضعها على الرأس، أو طي غطاء قارورة البيبسي أو طي القرش وثنيه، وكانت هنالك أشياء أخرى كثيرة يتحدى الشباب بعضهم بعضا بها، كل ذلك على باب الدكان..
أما الشياب وكبار السن.. فكانت أحاديثهم تمس الواقع في مجملها، وكان لديهم أحلام كثيرة بتحسين حياة الفلاح، وكانت كلها أمنيات لا تتحقق، أو تعليقات لا أحد يأبه بها، ولا يقيم لها وزناً، حتى راح مثلا ما يقال: ياما قالوا على باب الدكان، أي أن كثيرا من الأحاديث تم تناولها بين الرجال الجالسين أمام الدكان ووعودهم الكثيرة ذهبت أدراج الرياح، فهي لم تكن يوما لتتحقق.. شبيها للمثل القديم الذي يقول: كلام الليل يمحوه النهار.
